
في أطراف دمشق القديمة حيث تنكسر الأسوار أمام ضوء بردى وتشرع المدينة قلبها للشمال الغربي، يقف باب الفرج شاهدا بصمت مهيب على تقاطعات الزمن وعبور القوافل، وعلى الأزمنة التي مرت وتركت ظلها على الحجارة والجدران.
ورغم أنه ليس من الأبواب السبعة الرومانية الأصلية التي حمت المدينة منذ عصورها الوثنية، فإن باب الفرج يعد واحدا من أهم الإضافات الإسلامية إلى البنية الدفاعية والجمالية لدمشق القديمة، وقد ظل يحمل دلالته العميقة، الفرج، وهو هنا ليس فكرة ظرفية، بل رجاء مديني طويل لا يخبو.
أنشئ باب الفرج في عهد نور الدين محمود زنكي في القرن السادس الهجري الموافق للقرن الثاني عشر الميلادي، وتحديدا عام 1154م، حين احتاجت المدينة إلى منفذ إضافي يتصل بالجهة الشمالية الغربية التي باتت تضج بالعمران والأنشطة التجارية.
وقد جاء بناء الباب في سياق إستراتيجي، إذ كانت دمشق في ذلك العهد تشهد تحولات عمرانية كبرى، ترافقت مع إعادة تنظيم الدفاعات الحضرية للمدينة، فكان تشييد الباب جزءا من سياسة تحصينية موسعة أراد من خلالها نور الدين تعزيز المنظومة الأمنية دون التفريط بالاتساع العمراني.
وقد صمم هذا الباب بأسلوب معماري إسلامي متميز، يختلف عن الطراز الروماني الذي صنعت به الأبواب القديمة، فهو لا يقوم على التناسق الكلاسيكي بالأقواس الثلاثة، بل يتخذ طابعا دفاعيا مرنا، يتخلله ممر منكسر "زاوي" لتأخير المقتحمين، وتحقيق غايات تحصينية دقيقة
ويمثل هذا الممر المنكسر تقنية معمارية دفاعية ذكية ظهرت في المدن الإسلامية المتأخرة، تقوم على فكرة "التحكم في حركة الداخلين"، حيث تجبر الجيوش المهاجمة على التباطؤ، وتعرضهم للسهام من أعلى الأبراج.
ويتكون الباب من مدخل متعرج تحرسه أبراج صغيرة مربعة الشكل، تمكّن الحرس من مراقبة الزوايا الميتة، وتمنح الخط الدفاعي امتدادا رأسيا، وهو ما يبرز التكامل بين الأبعاد الأفقية والعمودية في التصميم الإسلامي