
في مقابلة أثارت الجدل والتأويل، خرج الوزير الأول السابق يحيى ولد حدمين عن صمته الإعلامي، مثنيا على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز،في تفنيد ضمنى لكل مانسب اليه والى حقبته.
وجاءت خرجة ولد حد امين في لحظة سياسية عسيرة تميزت بتباعد المعسكرات، وتصفية الحسابات، وإعادة كتابة الروايات.
لكن ماذا يعني هذا الثناء الآن؟ ولماذا اختار ولد حدمين هذا التوقيت ليفند ضمنيا ما كان قد فنده علنيا فى المحاكمات؟.
اولا:السياق السياسي للمقابلة
تأتي تصريحات ولد حدمين في وقت يقبع فيه الرئيس السابق خلف القضبان، بعد إدانته بقضايا فساد كبرى، هي الأثقل سياسيا في تاريخ الجمهورية المترنحة،رغم نفي المتهمين وعدم وجود مايمكن التأكيد به على صدقية الادانة.
اولا:وبينما يلتزم الكثير من كبار النظام السابق الصمت أو الانزواء، يخرج ولد حدمين ليمنح عبد العزيز شهادة،وحكوماته"حسن أداء"، وهو ما لا يمكن فصله عن معركة الرأي العام التي تدور منذ 2019 وحتى اليوم،والتى الهت البلاد عن التقدم خطوة واحدة الى الامام.
ثانيا:بين الوفاء السياسي والمقامرة المستقبلية.
يمكن قراءة توقيت الخرجة والثناء على الرجل وحكمه من زوايا عدة اهمها:
-وفاء شخصي وسياسي: فقد كان ولد حدمين أحد أكثر الوزراء قربا من ولد عبد العزيز، وتمتع بثقة مطلقة خلال فترته،وتدرج من وزير الى وزير اول.
- رهان مستقبلي: قد يرى ولد حدمين في "رد الاعتبار" لولد عبد العزيز،بل للعشرية بكاملها مدخلا لإعادة التموضع السياسي، خصوصا بعد تجفيف منابع حضوره منذ 2019،ومحاولة شيطنة عشر سنين من الحكم ،شهدت ماشهدت من الانجازات،من طرف مناوئين كان اغلبهم ماسحي احذية لرأس النظام،بعضهم،حصل مليون توقيع من اجل خرق الدستور واعلان مأمورية ثالثه لعله يجد فيها مضغة من الكعكة.
- رد ولد حد امين على خصوم الأمس واليوم: خصوصا من داخل النظام الحالي، الذي يتهمه بالمسؤولية عن مرحلة وُصفت بـ"العشرية السوداء"،فى حين صدح ولد حدمين بانها كانت كرغوة لبن الابل من البياض والانجازات....
-تجاهل الواقع القضائي:
ما يثير الانتباه هو أن ولد حدمين لم يشر في المقابلة إلى ملف الفساد، أو حجم الإدانة السياسية التي لحقت به وزملاءه وولدعبد العزيز، ما يجعل حديثه يبدو إما إنكارا لما نسب اليهم مطلقا، أو تحديا مباشرا للمسار القضائي،من رجل برءه القضاء نفسه وبالتالى يعتد بشهادته،امام المحاكم.
وفي قانون السياسة والقانون والاجتماع،الثناء المطلق لا يمكن أن يفهم إلا كنوع من التشكيك في الرواية الرسمية والمحاكمات الجارية، وهو ما يعمق الاستقطاب بين المعسكرين.
-الرسائل المشفرة في المقابلة التى بعثها ولد حد امين:
اولا: تأكيد على الانجازات التنموية في عهد العشرية (الطرق، الكهرباء، الجيش).
ثانيا:رفض ضمني لطريقة إدارة المرحلة الحالية، التي همشت،من لم يتمترس من رموز النظام السابق.
ثالثا:إعادة طرح ولدعبد العزيز كرمز وطني يستحق التقدير، لا المحاسبة فقط.
رابعا:التوقيت ليس بريئا وولد حد امين ليس غبيا فى علم السياسة:
المقابلة تأتي بالتزامن مع تطورات جذرية في ملف العشرية، ومحاولات جديدة لخلق تحالفات سياسية مبنية على "المظلومية المشتركة"، كما أنها قد تمهد لتحرك سياسي منسق بين من تبقى من رموز الحقبة السابقة،سواء كان فى صف النظام حاليا وبقي فيه لحين الحاجة اليه او من رفض التموقع فيه اصلا.
وفى المحصلة، لا شيء عبثي فى السياسة.
ومقابلة يحيى ولد حدمين ليست مجرد رأي شخصي، بل رسالة متعددة الاتجاهات،
إلى السلطة الحالية، تفيد بأن التاريخ لا يمحى بالتهميش هذا اولا؛
وإلى الرأي العام ثانيا، بأن هناك من لا يزال يعتبر أن العشرية لم تكن فسادا فقط بالنسبة لمن وصفوها بذلك، بل كانت مشروع حكم له من يدافع عنه،ويعتز بما تم فيه ومستعد للمواجهة والمناظرة.
ولكن وبما ان السؤال اهم من الجواب كما قال ابو الفلاسفة،هل يمهد ولد حدمين لعودة سياسية؟
وهل سيكون ثناؤه على عبد العزيز والعشرية مقدمة لتحالف رموز "العهد المنسي"؟
الأيام وحدها كفيلة بالجواب، لكن المؤكد أن الذاكرة السياسية لم تغلق بعد.