
فرض علينا هذا السؤال نفسه بقوة حين سمعنا كلمة رئيس الجمهورية في لقائه مع اطر امبيكت لحواش،وهو ينتقد النعرات القبلية والجهوية،وفى نفس الوقت يتم تحضير زياراته لمقاطهات النعمة فى اطار قبلي وجهوي صرف. وعكس عندنا خطاب فخامته، مفارقة صارخة بين الخطاب الرسمي والممارسة العملية،بالنسبة للادارة الموريتانية.
ولا يمكن باي حال من الاحوال فهم او تجاوز،واقع معاش وهو المعمول به رسميا:خطاب رئاسي ضد القبلية... وممارسة قائمة عليها؟.
وكان الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطائع قد سبق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في أكثر من مناسبة، ندد بـ:
- النعرات القبلية.
- التفرقة الجهوية.
- الخطاب العنصري.
وخاطب اهل النعمة انفسهم وفى عاصمة الولاية،بكلام اكثر غضبا من كلمة الرئيس غزوانى،حين خاطب معاوية الحضور بكلمة"لقبيلات"،فى هجوم شرس على القبلية والجهويةوالطائفية،يوم كان حاكما عسكريا فى ثمانينيات القرن الماضي،ليعود فى تسعينيات نفس القرن ويبنى حكمه على اساس قبلي صريح وواضح.
وكانت كلمة الرئيس غزوانى فى محلها،ومهمة جدا حتى نقدر على بناء دولة مواطنة،ولكن في المقابل، فان تحركاته الميدانية وتحضيرات زياراته وحتى هندسة حملاته الانتخابية تتم على أسس قبلية وجهوية صريحة لا لبس فيها والذين حضروا كلمته جاءت بهم قبائلهم،لادولتهم:
1- الوجهاء القبليون يحشدون القبيلةمن اجل استقبال الرئيس،والانتساب للحزب الحاكم وانتخاب الرئيس....
2- النفوذ المحلي يقاس بالانتماء القبلي بشكل خالص والادارة تشجعه وتدفعه،وتتعامل مع الوجهاء وفقا لنفوذهم القبلى.
3- الوعود توزع حسب الثقل الاجتماعي لا حسب الحاجة التنموية،والوزراء يوزعون حسب القبيلة،ونسبة مصوتيها فى مكاتبها.
وبصريح العبارة تناقض يفقد الخطاب مصداقيته ،حين يقال شيء ويفعل نقيضه، يفقد الخطاب السياسي هيبته ومصداقيته،ويترك الحليم حيرانا غير قادر على تصريف عقله.
فكيف نصدق أن الانظمة تحارب القبلية، وهى تعيد إنتاجها في كل استحقاق انتخابي أو زيارة رسمية؟
وكيف يمكن التصديق الواقع السياسي: رهينة الولاء القبلي؟
لا تزال الانظمة في موريتانيا،تعتمد على تحالفات تقليدية،فى جميع معاملاتها لا على البرامج أو الكفاءة،وتعتبر السلطة القبيلة أداة لتثبيت النفوذ السياسي بدل تفكيكها لصالح دولة المواطنة،وهو امر لن يزول مهما قيل،من كلام جارح للقبيلة،او الجهة ما دامت الاحزاب الحاكمة مبنية بركائز قبلية وجهوية والوزراء يعينون على ذلك الاساس،وسياسة الدولة فى جوهرها مبنية عليه،والفوز فى الانتخابات نعقود عليهما.
هل هناك نية حقيقية للتغيير؟*
ومع هذا دعونا نأخذ خظاب رئيس الجمهورية بمحمل الجد ونقنع انفسها بأن الامر لم يعد كما كان من قبل،خاصة ان رئيس الحمهورية فى ماموريته الاخيرة والدستور يمنع ثالثة،رغم محاولات المتزلفين الذين حاولوا اغراق سلفه فى ذلك المستنقع.
ونقول ان هناك جدية فعلية في محاربة النعرات القبلية والجهوية واليوم وليس غدا يلغى رئيس الجمهورية:
1- الاعتبارات القبلية والجهوية في التعيينات ويحل الحكومة ويعتمد الكفاءة بدل ذلك حتى ولو شكل الحكومة من اسرة واحدة.
2- يوقف رئيس الجمهورية الاستنجاد بالوجهاء والنافذين كلما دنت زيارة رئاسية أو استحقاق انتخابي.
3- ويعتمد معيار الكفاءة والمواطنة بدل النسب والانتماء القبلى والجهوي ويفكك منظومته القائمة الان على ذلك الاساس.
والا فان محاربة القبلية لا تكون بالشعارات، بل بكسر البنية التي تُكرسها،وقيام الدولة مقام القبيلة فى العدل والمعاش والتعليم والتعيين،وفى حالة المرض او الفقر او الاحتياج او الحوادث.
وعلى رئيس الجمهورية، كأعلى سلطة في الدولة، ان يدرك انه لا ينتظر منه فقط أن يُلقي اللوم على الظاهرة، بل أن يكون أول من يتخلى عنها في الفعل والممارسة،ومتمكن من ذلك ويمكنه فعله ان اراد،على رغم صعوبته والمخاطر التى تحول دونه،عندما يشعر الاسد بالخطر.
مهلا سيدى الرئيس مادامت القبيلة هى التى تداوى وهى التى تأوى وهى التى تدرس او تساعد على التدريس،وهى التى توظف وتعين فى الوظائف السامية،وهى التى تستنجدها السلطة الرسمية فى الانتخابات وفى المناسبات الاخرى ،فدع الحبل على الغارب واعرفه انه مادامت الدولة ضعيفة وعاجزة عن مسئولياتها،فان القبيلة والجهة هما الباقيتان،ولاعيب فيهما فى مقابل عجز الدولة.
اما العنصرية فانها مقيتة وقاتلة وتدمر الدول والمجتمعات،ومع ذلك فانها فى بلادنا من صناعات الدولة العميقة وهى وحدها المسؤولة عن التخلى عنها،وعن تمويل باروناتها وتشجيعهم رسميا.
كما يجب فصل السلطات وترك القضاء يقوم بواجبه دون تدخل رسمى او توجيه،وترك الخوف من الغرب ووقف تدخله فى شأن الدولة وتفعيل القوانين الوطنية وتطبيقها على الجميع من رئيس الجمهورية الى اخر احد فى الطابور فى فصالة النيرة.
