غزة… عامان من الحرب: مأساة إنسانية ودمار شامل/تماد إسلم أيديه

ثلاثاء, 07/10/2025 - 13:50

عامان مرا على اندلاع الحرب في غزة، وما زالت المدينة تنزف وجعًا ودمًا تحت وطأة واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث.
فالحرب التي بدأت بهجوم مفاجئ شنّته حركة حماس على إسرائيل، وأسفرت عن مقتل عدد كبير من الإسرائيليين واختطاف آخرين، تحولت سريعًا إلى حملة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، خلّفت دمارًا هائلًا ومعاناة لا توصف بين صفوف المدنيين الفلسطينيين.
البدايات والتطور الزمني
منذ الساعات الأولى للهجوم، ردّت إسرائيل بقصفٍ جويٍّ مكثّف أعقبه توغّل بري في عدد من مناطق قطاع غزة. ومع مرور الوقت، شهدت الساحة جولات متقطعة من القتال، وعمليات انسحاب محدودة، وحصارات خانقة لمناطق بأكملها مثل شمال القطاع ومدينة غزة.
وعلى امتداد العامين، تكررت الهجمات وتبدلت مواقع السيطرة، في ظل مفاوضات دولية متكررة لمحاولة التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أو اتفاقات لتبادل الأسرى، لكن دون تحقيق سلامٍ دائم.
ضحايا وأرقام صادمة
تشير التقارير إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب تجاوز 67 ألف شهيد، من بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال، فيما أُصيب عشرات الآلاف بجروح متفاوتة الخطورة، بينها بتر أطراف وحروق وتشوهات دائمة.
بينما وصل عدد المصابين إلى أكثر من 160 ألف جريح؛ واختفى آلاف المفقودين، وتشرد ملايين الأشخاص داخل القطاع، في ظل انهيار شبه تام للخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والبنى التحتية الحيوية.
دمار شامل للبنية التحتية
قدّر تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة قيمة الأضرار في البنى التحتية بنحو 18.5 مليار دولار حتى يناير 2024، أي خلال الأشهر الأولى فقط من الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 70٪ من المنازل دُمّرت أو تضررت بشكل كبير، وفقد مئات الآلاف من الأسر مأواها الآمن. كما تعرض 84٪ من المراكز الصحية لأضرار جسيمة، وتوقفت المدارس والجامعات عن العمل، بينما تحولت كثير منها إلى ملاجئ للنازحين.
النظام الصحي في غزة يعيش اليوم حالة انهيار كامل، مع انقطاع الكهرباء والمياه ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الوفيات غير المباشرة بسبب الأمراض وسوء التغذية.
كارثة إنسانية ومعاناة شاملة
الجوع وسوء التغذية يهددان حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين، وخاصة الأطفال دون سنّ العامين، في ظل مؤشرات قوية على تفشي المجاعة في أنحاء القطاع.
ويعاني السكان من أزمات نفسية حادة نتيجة الصدمات المتكررة، وفقدان الأحبة والمنازل، وغياب الأمان.
أما التعليم فقد شُلّ بشكل شبه تام، إذ أصبحت آلاف المدارس غير صالحة، وبعضها يُستخدم كملاجئ مؤقتة.
وفي قطاع المياه والصرف الصحي، تسبب تدمير المنشآت وانقطاع الكهرباء في توقف محطات الضخ والمعالجة، ما أدى إلى تفشي الأمراض الناتجة عن تلوث المياه وارتفاع معدلات الإصابة بين الأطفال.
القانون والسياسة… بين المساءلة والجمود
رغم المطالبات الدولية المتكررة بوقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، ما تزال موازين القوى تميل لصالح الإفلات من العقاب، فيما تتعثر جهود مجلس الأمن بفعل الانقسامات بين القوى الكبرى.
وتُثار تساؤلات قانونية وإنسانية حول طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي وُصفت بأنها تفتقر إلى التمييز بين المدنيين والمقاتلين وتستخدم قوة مفرطة، ما يجعلها، وفق خبراء القانون الدولي، أقرب إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
في المقابل، تتواصل الجهود الدبلوماسية العربية والإسلامية والدولية لإقرار هدنة دائمة تفضي إلى وقف الحرب وتبادل الأسرى، تمهيدًا لتسوية سياسية شاملة تحقق حلّ الدولتين.
مبادرة ترامب في شرم الشيخ: بين الأمل والاختلاف
في أحدث التطورات، تشهد مدينة شرم الشيخ المصرية محادثات غير مباشرة بين وفدي إسرائيل وحماس، برعاية مصرية وقطرية وأمريكية وتركية، لبحث تنفيذ خطة وقف إطلاق النار التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويقود الوفد الأمريكي شخصيات بارزة مثل جاريد كوشنر والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، في مسعى لتحديد آليات تنفيذ المبادرة التي تتضمن بنودًا أساسية أبرزها:
• وقف القتال كخطوة أولى.
• إطلاق الأسرى والرهائن من الجانبين.
• تسهيل دخول المساعدات الإنسانية دون قيود وضمان أمن فرق الإغاثة.
• انسحاب إسرائيلي مرحلي من بعض المناطق مقابل التزامات من حركة حماس تتعلق بالأمن ونزع السلاح.
وقد حظيت المبادرة بترحيب أولي من الأمم المتحدة وعدة دول عربية وإسلامية وأوروبية، باعتبارها نافذة أمل لتخفيف معاناة المدنيين وفتح الطريق أمام تسوية سياسية أوسع، رغم استمرار التحفظات حول بعض بنودها وآليات تنفيذها.
ودعت منظمات حقوقية إلى ضرورة ربط أي اتفاق بآليات واضحة للمساءلة الدولية وضمان حماية المدنيين في غزة.
ردود الفعل الدولية على حرب الإبادة في غزة
أدانت المنظمات الدولية والحقوقية، بما فيها الأمم المتحدة، حجم الدمار والمعاناة الإنسانية غير المسبوقة، مطالبةً بوقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات دون قيود.
لكن استمرار الحصار، وندرة الوقود، والمخاطر الأمنية، ما تزال تعيق عمل فرق الإغاثة وتحدّ من فاعلية المساعدات الإنسانية.
تحديات المستقبل
تبدو مرحلة ما بعد الحرب أكثر تعقيدًا من الحرب نفسها، فإعادة الإعمار تحتاج إلى سنوات طويلة وتمويل ضخم في ظل دمار شبه كامل للبنية التحتية.
كما أن عودة النازحين إلى مناطقهم تواجه عقبات أمنية وإنسانية جسيمة.
ومن دون تسوية سياسية عادلة تضمن الحقوق الفلسطينية، فإن دائرة العنف مرشحة للاستمرار.
كذلك، سيحمل الجيل القادم آثارًا صحية ونفسية طويلة الأمد، من سوء تغذية واضطرابات نفسية ونقص في فرص التعليم والنمو السليم.
خاتمة
رغم حجم الدمار والوجع، تظل غزة تقاوم وتتمسك بحقها في الحياة والحرية.
فالدمار لم يكسر إرادة أهلها، بل جعل من معاناتهم شهادة حيّة على صلابة شعب يواجه أعتى آلة حرب في العصر الحديث.
وبعد عامين من الحرب، تحوّلت غزة إلى رمز للألم والصمود في آنٍ واحد.
فهي ليست فقط ميدانًا للدمار العسكري، بل ساحة لمعاناة إنسانية عميقة ومتعددة الأوجه.
المنازل تحولت إلى أنقاض، والمؤسسات الصحية والتعليمية انهارت، والحياة اليومية باتت كفاحًا من أجل البقاء.
وقد أعلن المكتب الإعلامي في غزة، أمس الاثنين، أن 90٪ من منازل القطاع دُمرت بالكامل، في مشهدٍ يلخص حجم المأساة.
الرهان اليوم لم يعد فقط على إنهاء الحرب، بل على بناء سلامٍ إنسانيٍ حقيقي يعيد للغزيين حقهم في الحياة والكرامة، ويضمن أن لا تكون الهدنة القادمة مجرد استراحة قصيرة بين فصلين من الدمار.
فما بين الرماد والدمار، ما زالت غزة تُعلّم العالم معنى الصمود، وتنتظر فجرًا جديدًا يعيد لأهلها حقهم في الحياة والكرامة.