الشريط السنمائي"الطابع" للمخرج المغربي يتأرجح بين الحياة والموت

أحد, 05/11/2023 - 12:27

نواكشوط(وكالة السواحل للأنباء): تم عرض الشريط السينمائي الموسوم بـ”الطابع” لمخرجه رشيد الوالي بقاعة سينما روكسي بمدينة البوغاز، في إطار فعاليات المهرجان الوطني للفيلم في دورته 23.
يأتي عرض الشريط الطويل للوالي في مهرجان طنجة، بعد جولة فنية في العديد من المحطات خارج المغرب، كان آخرها مهرجان “مونبولي” الفرنسية.
الجدير بالذكر أن شريط “الطابع” بالنسبة لرشيد الوالي يعد ثالث فيلم طويل في منجزه السينمائي.
بعد هذه التوطئة/ الإضاءة نطرح سؤالا إشكاليا – في نظرنا – حول قيمة الشريط الجمالية؛ موضوع الورقة النقدية هاته، زاعمين في الآن نفسه بأن الفيلم قد يسد أو على الأقل يسهم في سد الخصاص الموجود في خزانة المركز السينمائي المغربي، ولا سيما فيما يتصل بالأفلام الروائية والأفلام الطويلة؟
السؤال الإشكالي تعقبه متوالية من الأسئلة الفرعية، التي تنهض كدعامة أساس ومنطلق للتفكير الفردي والجماعي وحتى المؤسساتي من خلال جملة من المؤشرات الدالة والقابلة للقياس،
وذلك سعيا وراء استنهاض الطاقات الخلاقة لدى الأجيال من السينمائيين المجددين الجادين والمثابرين، المنخرطين في بناء مشروع سينما مغربية؛ تعكس آمال الناس وأحلامهم وتطلعاتهم.
لهذا وذاك، فإن شريط “الطابع” لمخرجه رشيد الوالي يضع كلا من المخرج والممثلين والممثلات الذين لعبوا ولعبن أدوارا محددة ضمن تيبولوجية الفيلم والمخرج أمام تحد ليس سهلا تجاوزه أمام الجمهور والنقاد وعشاق الفن السابع عموما، وقبل هذا كله أمام الدراما السينمائة المغربية والعربية ولم لا العالمية ما دام الفيلم ناطق بالفرنسية والدارجة المغربية، ويعالج موضوعة ذات بعد إشكالي، لها مدلولها الاجتماعي والتربوي والثقافي والاقتصادي والنفسي أيضا؛ يتعلق الأمر بموضوعة الهجرة وما يترتب عنها من قصص تراجيدية في معظم الحالات (نشير هنا إلى حالة العربي ومجايليه من الشباب الذين فقد بعضم حياته وتفحمت أجسادهم تحت الأرض بمناجم الفحم الحجري بفرنسا).
ضمن سردية الفيلم، يعثر الممثلون على جزء مهم من سجلهم الاجتماعي المستعاد سرا وعلانية؛ تمثل في توليفة زاوجت ما بين التعبير بالصمت القاسي، الصمت المطبق الذي يصل مداه (حالة العربي) والتعبير بوساطة اللغة والجسد معا، (حالة “صمويل” رفيق العربي في المهجر ورفيقه في رحلة العودة إلى أرض الوطن بعد اكتشاف الأطباء لمرضه بالسرطان)!
سردية الفيلم عمدت إلى توظيف واقع الموت باعتباره موضوعة حاسمة، لا تدع مجالا للشك وفق ثنائية القضاء والقدر سيما في مجتمع يغلب عليه طابع المحافظة وحضور التقاليد والأعراف الاجتماعية وخاصة في المناطق الشرقية من المغرب.
عتبة العنوان / الطابع
يضطلع العنوان بوظيفة التحديد الأولي لقراءة الأثر السينمائي؛ المرشح للمشاهدة والقراءة والمتابعة.
لعل صيرورة الأحداث المنتظمة ضمن سردية الفيلم، ينتظم بموجبها مسار الشخصيات المتحركة عبر فضاءات مفتوحة على سؤال الموت ووجعه، لكنه سؤال يحمل في تضاعيفه بذور حيوات جديدة؛ قابلة للتحقق من خلال الرسائل المبطنة، التي يشي بها خطاب الفيلم…رسائل تعكسها الصورة لدى المشاهد كما تعمل على تحريض الذاكرة، سعيا وراء تحريرها – قدر الإمكان – من سلط الزمن الماضي القهرية، التي تركت ندوبا وأوشاما، تقوم دليلا وعنوانا على معاناة المهاجرين المفترضين وجراحاتهم التي لا تندمل. لقد حملوها معهم في رحلة العودة الغامضة والمثيرة إلى أن دفنت معهم في قبورهم بأرض الوطن .
من هنا فترجمة معاني العنوان “الطابع” باعتباره علامة كبرى لعمل فني مبدع ، يفسح المجال أمام سلسة من التأويلات، اعتبارا من المنغلق من الأمكنة والفضاءات الحسيرة التي تشغل أحيازها الشخصيات اللاعبة في مشهدية الفيلم الرئيسة منها والثانوية وصولا إلى المنفتحة والفسيحة.
ثم إن تمرين الانتقال عبر الأزمنة والأمكنة يوحي بأن إيقاع الأحداث الذي يتصاعد دراميا في اتجاه فضاءات متعددة، مثل المقبرة والميناء والباخرة ومحطة القطار والمحطة الطرقية والبراري والأحراش بقرى وأرياف الشرق، يعكس روح التنقل وركوب المغامرة بين الحين والآخر. تبدى هذا المنزع أكثر مع الثنائي العربي وصمويل وهما يهيمان في الطرقات والشعاب موحدين مع أنفسهم رغم الخلافات الجانبية التي لم تصل إلى حد القطيعة بينهما .
وعود إلى بدء، نسجل بأن التوقيع على الأجساد البشرية اليانعة بالطابعين الأحمر والأزرق، يرمي إلى رمزية تتماهى دلاليا مع ثنائية الرفض والقبول؛ رفض المترشح للهجرة نحو فرنسا أو قبوله، بعد خضوعه لعملية فحص مكشوفة على مرأى من مسؤول الإدارة الفرنسية!
هذا التراكب الذي تطالعنا صوره من خلال معرض للشباب المصطف، الباحث عن فرص العمل في مناجم الفحم بفرنسا طلبا للرزق، يؤشر على لحظات قوية، حملت الفيلم على المزج ما بين الألم والفرح، في لحظة مفصلية، تتجسد في الرغبة في الهجرة إلى أوربا، هروبا من العوز والفقر وقلة فرص العيش الكريم بالبلد الأصل.
إنه نداء ضد الوجع الصاعد من صلب المجتمع الهامشي الذي تجسده مدن وقرى نائية، يفترض أنها تنتمي جغرافيا لشرق المغرب (فيكيك وبوعرفة وسواهما).
نعود لنؤكد في هذه الورقة أن موضوعة الهجرة موضوعة مركزية ؛ تتفرع عنها بقية الموضوعات الأخرى، إن لم نقل تتماهى معها معنى ومبنى ؛ رافدة بعضعا البعض في أفق بناء لحظة إنسانية قوية، تجيب عن حلمنا المشترك في الحياة فوق هذه الأرض.
موضوع الهجرة إلى أوروبا ولا سيما في فترة الخمسينيات من القرن الماضي حكمته رهانات اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتى نزعات فردية مستقلة، تجسدت معالمها في البحث عن أفق أرحب وفرص سانحة للفرد كي يحسن من شروط عيشه وأسرته، وعن مساحة للحرية والعدالة الاجتماعية وكذا التعبير الحر عن الرأي، رغم ما يمكن أن يلاقيه المهاجر إلى الديار الأوربية من شقاء وعزلة ووحدة؛ يمكن أن تشكل عنوانا عريضا لمأساته!
مأساة لا لون لها، فما أن توشك على الانتهاء حتى تبدأ في نسج خيوطها من جديد. من هنا نكتشف مدى قوة انخراط الشخصيات ولا سيما العربي وصمويل في تشكيل وبناء لحظة الوعي الجمالي للفيلم، قد يكون الأمر إراديا أو لا إراديا ليس مهما، وإعادة بناء الوعي بالمأساة التي قد تعرض للإنسان عبر سردية؛ امتزج فيها الخيالي بالواقعي؛ مثل احتراق وتفحم جثث الشباب المهاجر لفرنسا.
هيسبرس