حوار موسى افال و كتائب طروادة* / سيدي علي بلعمش

خميس, 19/06/2025 - 10:17

اضطراب الساحة السياسية في البلد اليوم ، تعود أسبابه لتسامح النظام و فائض ثقته في شبكة أمانه المتآكلة ، لا لقوة معارضته و لا لإقناعها و لا حتى لشرعيتها !!
كل المؤشرات تؤكد اليوم ، لكل ذي فطنة ، أن هناك اختراق ناعم الأيادي ، غامض الأسباب ، ذكي الاحتراف ، يسوق النظام إلى نهاية مأساوية و البلدَ إلى أزمة خطيرة !!*
وسواء كانت هذه حقيقة لا مراءة فيها أو مجرد تخمينات خاطئة ، فلا ضير من وجوب التنبيه ..
ـ هذا الحوار (الذي أعلن السيد موسى فال انطلاقه بعد ثلاث أسابيع) ، كان خطأ فادحا ، ما زلنا نأمل أن يتم إلغاؤه ؛ فلا الدولة في أزمة (على حد قولها) ، تبرر فتح حوار وطني لحلحلتها .
و لا المعارضة الوطنية (اتحاد قوى التقدم و تكتل القوى الديمقراطية و التحالف الشعبي) ،  تطالب بحوار ، لن تجني موريتانيا منه إلا مزيدا من الفوضى و التشرذم و خلط الأوراق و شرعنة مجموعات عابثة ، بإشراكها في حوار تجهل أدبياته و تتبوَّلُ على غاياته ..
ما تحتاجه موريتانيا اليوم و في كل حين ، هو حوار بين نخبة وطنية مسؤولة ، تحمل أفكارًا و مشاريع وطنية و نظام يقدم برنامجا تفاعليا جادا و صادقا ..
و لأن تجاوز قول الحقيقة في ما حدث في كل الحوارات السابقة ، لم يعد ممكنا و لا مقبولا ، أصبح لا بد أن نسجل هنا أن :
ـ كل الحوارات السابقة كانت بطلب معلن أو مخفي من السلطات (في طبخات سرية مع جماعات ظل يعرفها السيد موسى افال كلها و تعرفه) ..
ـ كل الحوارات السابقة كانت صفقات واضحة بين النظام و الحراكات الزنجية المتطرفة ، على حساب مجتمع البيظان حصريا و مصلحة البلد ..
ـ كل الحوارات السابقة ، كانت السلطات تقدم فيها ضمانات و امتيازات مسبقة لجماعات انتهازية ، مقابل العبث بالانتخابات (القادمة) أو تمرير قوانين ذات صلة ..
فماذا يقدم موسى افال اليوم لهذه الجماعات المرتزقة :
ـ بعد خمس تسويات (في ملف "الإرث الإنساني") ، دفعت فيه السلطات كل مطالب تيام صامبا و صار إبراهيما و بيرام و إسرائيل و السنيغال ، من دون أي فائدة ، لتصبح غرامة دائمة بلا حل  !؟
ـ بعد صناعة بيرام ، لزعزعة استقرار البلد و الإساءة إلى أهله و رموزه و خلق قومية هجينة مركبة اللغة و الثقافة و العادات و الدم و العلاقات  (في صدام مع كل تاريخ البشرية) ..
ـ بعد تحويل افلام (التي حملت  السلاح ضد البلد) ، إلى حركة تنويرية ، تُنَظِّر لأسباب بقائنا و شروط استقرار بلدنا !؟
ماذا ستبيع السلطات اليوم ، لهذه العصابات المرتزقة و مقابل ماذا ، يا موسى افال !؟
لا تقل لي لوجه الله ، يا موسى  !!
لا تقل لي لأجل مصلحة الوطن !!
لا تقل لي من أجل الديمقراطية ، فكم من جرائم ترتكب باسمها في هذا البلد  !؟
على السلطات اليوم ، أن توقف هذه اللعبة الخبيثة و على الحزب الحاكم  و مجرته الداعمة ، أن لا يظل حصان طروادة للتغطية على هذا التسلل التخريبي إلى عمق المجتمع و عصب مناعة الدولة !!
على النخب الموريتانية المزورة ، المتهافتة اليوم ، على تأسيس أحزاب عبثية لبيع الترشح منها ، في بلد تحول إلى أضحوكة بسبب عدد أحزابه (و النظام هو أكبر مساهم في هذه الجريمة) ، أن تفهم أن أسبابها لم تعد تَخفى على أحد و لم تعد تُخفي خطورة دوافع أصحابها على البلد ..
على معالي وزير الداخلية و فريق إسناده ، أن يدركوا أن الديمقراطية لا تكفل حق إنشاء الأحزاب لمن لا يملك رؤية واضحة لمشروع دولة و بأفكار تحترم دستورها و دينها و ثقافتها و تاريخها ، منصوصة في البرنامج السياسي لكل مجموعة تتقدم بطلب لتأسيس حزب : الديمقراطية تكفل حق الاختلاف ، لا حق المساواة العبثي في الحصول على كل ما حصل عليه غيرنا كيفما اتُّفِقً !
الديمقراطية لا تسمح لصاحب دكان أن يحوله إلى مصرف أو عيادة أو مطعم !!
على كل من يقدمون طلبا لتأسيس حزب أن يقروا أولا ، في ديباجة برنامجهم السياسي بأنهم يعترفون بشرعية النظام و يحترمون دستور البلد و دينه و ثقافته .
كيف تطلب تأسيس حزب من نظام لا تعترف بشرعيته !؟
كيف تطلب تأسيس حزب في بلد لا تعترف بدستوره !؟
كيف تطلب تأسيس حزب سياسي لمنظمة إرهابية ترفع شعار الكفاح المسلح (جبهة تحرير ….) ، كيف يكون التحرير بغير السلاح !؟
هؤلاء هم من يقول موسى افال أن لا معنى للحوار من دون مشاركتهم "الوطنية" !؟
على وزارة الداخلية أن تراجع البرامج السياسية لكل الأحزاب لتدرك أنها تُرخِّصُ للفوضى لا لأحزاب سياسية ..
على وزارة الداخلية أن تلغي هذا الحوار العبثي و أن تشكل لجنة محترمة من مثقفي البلد و مشرعيه و رجال قانونه ، لتقدم لها مقترحات عملية لمعالجة فوضى الأحزاب ، لخلق أحزاب محترمة ذات ثقل سياسي ، تلتزم السلطات بمعاملتها بما تستحق من احترام ..
بعد تأسيس أحزاب وطنية محترمة تملأ كل معايير شرعيتها ، نستطيع أن ندعو لحوار يمكن أن نطلق عليه صفة "الوطني" ..
أما أن يدعو موسى افال في عجلة من أمره (لا نفهم لماذا ؟) ، إلى حوار "وطني" ، بلا سقف و لا حدود و لا برنامج و لا غايات معلنة ، فلا نملك سوى أن نقول إنه "حوار موسى افال و جماعته" ، لا يملك من صفات الوطنية غير كذبته ..
أفلا نستحق في هذا البلد أقل قدر من المنطق و الجدية و التوق إلى مستوى أفضل !؟