الصندوق الوطني للتأمين الصحي في موريتانيا: مؤسسة تقتل العدالة باسم العلاج!/بقلم: محمد الأمين الوافي - باريس

خميس, 26/06/2025 - 20:41

في دولة يفترض أن يكون فيها التأمين الصحي صمام أمان لكل مواطن، تحول الصندوق الوطني للتأمين الصحي في موريتانيا إلى مؤسسة نخبوية لا يستفيد منها إلا من يملك “بطاقة الولاء” أو “ختم التزكية”، بينما يتخبط عامة المواطنين في أروقة الإهمال والحرمان.

■ مليارات تُقتطع… وخدمات غائبة! تُقتطع شهريًا مليارات الأوقية من رواتب الموظفين والعمال لتمويل الصندوق، حيث تشير التقديرات إلى أن مداخيله السنوية تتجاوز 14 مليار أوقية قديمة. ومع ذلك، لا يستفيد من هذه الأموال سوى نسبة لا تتجاوز 30% من المشتركين، معظمهم من المحسوبين على طبقة المتنفذين وأصحاب الامتيازات. فأين تذهب أموال الشعب؟ سؤال مشروع، تُجيب عليه الصفقات الغامضة والتجهيزات الطبية المبالغ في أسعارها، والتقارير المسرّبة التي كشفت عن اختفاء نحو مليار أوقية قديمة في عمليات شراء مشبوهة خلال عام واحد فقط.

■ شهادات مؤلمة: العلاج للأقوياء فقط سيدي محمد ولد محمود، موظف بسيط، اضطر لدفع تكاليف عملية جراحية لطفله من جيبه الخاص بعد أن ظل ملفه “عالقا” لأشهر في رفوف الصندوق. السيدة فاطمة منت سيداتي، أرملة تعول طفلين، رفض الصندوق علاج ابنها بحجة “خلل في قاعدة البيانات”، رغم توفر جميع الوثائق. أحد الموظفين السابقين بالصندوق صرّح - شريطة عدم كشف هويته - أن هناك شبكات داخلية تُمَرّر الملفات بناء على الوساطات والولاءات، بينما يتم تجاهل مئات الملفات التي لا تملك سندًا أو توصية

 ■ مستشفيات على الهامش… وانتقائية في الخدمات من يزور المستشفيات العمومية التي يُفترض أن الصندوق يغطي خدماتها، يدرك حجم الكارثة: نقص في الأدوية الأساسية، أجهزة معطلة منذ شهور، طوابير طويلة للمرضى، ومع ذلك يتكفل الصندوق بتغطية علاج “كبار القوم” في العيادات الخاصة داخل البلاد أو حتى في الخارج. هذا ليس مجرد خلل إداري، بل هو تمييز ممنهج يجعل العلاج امتيازًا للنافذين، ويحرم منه المواطن العادي الذي يدفع من قوته اليومي لتمويل صندوق لا يعترف به ساعة المرض. ■ غياب الرقابة… وتواطؤ المؤسسات في ظل غياب الرقابة الحقيقية، لم نسمع حتى الآن عن أي تحقيق جاد في ملفات الصندوق، ولا عن إحالة مسؤول واحد إلى العدالة رغم ما تكشفه التقارير من تجاوزات صارخة. مفتشية الدولة صامتة، محكمة الحسابات غائبة، والهيئات الرقابية تبدو وكأنها شريكة في الجريمة بالصمت أو بالتواطؤ.

■ هل سيبقى المواطن الموريتاني ضحية؟ هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. الصندوق الوطني للتأمين الصحي ليس مؤسسة ربحية، ولا يجب أن يكون أداة للمحاباة السياسية أو الاجتماعية. بل هو حق دستوري لكل مواطن موريتاني، ويجب فتح ملفاته بكل شفافية، ومعاقبة الفاسدين، وإعادة هيكلته على أسس عادلة، تحترم كرامة الإنسان وحقه في العلاج. الصمت على هذا الملف هو خيانة للوطن وللشعب. بقلم: محمد الأمين الوافي باريس – -25/62025