المامي ولد جدو
تصاعدت حدة الفتاوى السياسية منذ بداية التمرد في البلاد العربية أو ما سمي ب"الربيع العربي" العام 2011، خاصة مع صعود تيارات الإسلام السياسي حتى الوقت الحاضر.
وبدا استغلال تعلق الناس بالدين واضحا لسحب البساط من تحت أقدام منافسيهم السياسيين، وتوظيف عدد من علماء الدين من كافة اطراف الصراع لهذا الغرض، ما يبعد ورثة الأنبياء عن دورهم الأساسي المتمثل في إصلاح ذات البين والدعوة للسلم، فلا يمكن ان يتم الصلح تحت الحراب ولا تحت قصف الطائرات وزمجرة المدافع، وفتاوى التكفير. ما يكشف يقينا توجيه هذه الفتاوى لخدمة أهداف سياسية حزبية معينة، وتوظيف الدين لاستقطاب الاتباع حسب ما اورد تقرير للمرصد الإعلامي لرصد الفتاوى التي كانت تصدر من كل طرف ضد الآخر خلال تلك الحقبة وما اعقبها.
واليوم 20 اكتوبر ذكرى مقتل الزعيم الليبي المسلم معمر القذافي بعد قصف من طائرات فرنسية رصدت آخر المقاومين وهم يخرجون من مدينة سرت بعد تضييق الحصار عليهم واشتداد القصف برا وبحرا وجوا في مساحة لا تتعدى ثلاثة كلم مربع في الحي رقم2 بالمدينة الساحيلة التي تعد مسقط رأس معمر القذافي. من المشاهد التي تعود للذاكرة مع حلول هذا التاريخ إمامة القذافي للمصلين بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف في الملعب الأولمبي بنوكشوط، وقال خلالها في خطبته أن موريتانيا ساهمت في نشر الإسلام بأفريقيا بطريقة سلمية، في حين أن المسيحية انتشرت في بعض بلدان افريقيا بعد دخول الاستعمار الاوروبي.
الجميع صلى خلف القذافي ومن اكثرهم لفتا للانتباه زعماء الإخوان المسلمين جميل ولد منصور ومحمد غلام.
و المثير للتساؤل هنا أن الشيخ محمد الحسن ولد الددو اصدر فتوى انتشرت منذ سنتين تقريبا تقول بأن القذافي كافر، وهو المعروف بقربه ودعمه لتيار الإخوان المسلمين في موريتانيا بل يصفه مرافقه السابق محمد ولد لوليد بأنه مرشد التيار في موريتانيا، فهل اخبر الددو زعلماء الإخوان المسلمين بموريتانيا أنهم يصلون وراء إمام كافر في نظره، أم كتم عنهم ذلك خلال تاديتهم لاعظم شعائر الإسلام. ولماذا صدرت هذه الفتوى بعد ان افضى القذافي إلى خالق السموات والأرض، وهو عند رب رحيم، حتى أن مكان دفنه لا يعرفه إلا قاتلوه، وقد تمت تلك العملية البشعة بفتوى من الشيخ صادق الغرياني الذي حث الددو في فيديو منشور له أن يستأنس "المتمردون" بفتاواه .
ولماذا لم يصدر الشيخ الددو فتوى بشأن الطريقة التي اجهز بها المتمردون على القذفي في مشهد يشبه نهش "الكلاب البرية" لفريستها، وهم الذين اطلق عليهم الشيخ الددو لقب المرابطين على الثغور؟
والواقع ان هؤلاء كانوا يرابطون تحت إمرة حلف شمال الاطلسي وطائرات الصليبيين!. وقد اخبرتهم الطائرات الفرنسية بالمكان الذي قصفت فيه رتل القذافي وابنه وقائد الجيش ابو بكر يونس جابر وابنيه حتى يجهزوا عليهم بطريقة وحشية منافية لتعاليم الإسلام.
كل تلك العوامل وغيرها تثير لدينا شكوكا أن فتوى التكفير سياسية، لأن التكفير في الأساس حكم قضائي وليس فتوى تصدر عن عالم أو فقيه. كما أنه على مر التاريخ الإسلامي لم تصدر فتوى تكفير حتى في من رجم الكعبة بالمنجنيق، وخلال الفتنة الكبرى التي قتل خلالها الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه بطريقة وحشية كذلك، وما تبعها من فتن وحروب، حتى بنو أمية الذين تواترت كتب التاريخ بأن بعض امرائهم ارتكب المبيقات، وبنوا العباس الذين نبشوا القبور ومثلوا بالرفاة، وصاحب موقعة الحرة التي داست خلالها الخيل في المسجد النبوي وقتلت على اعتابه المسلمين . كلهم تصدر ضدهم فتاوى تكفير، لأنه اصلا لا وجود لفتوى تكفير تخضع لتقدير شخصي، وإنما لحكم قضائي. ما يمكننا أن نخلص إليه دون الخوض في تفاصيل ما جرى بعد تمرد2011 في ليبيا أنه كان هناك طرفان، طرف مسلم يقاتل دون الاستعانة ب"الكفار" القذافي وانصاره، وطرف آخر مسلم يقاتل تحت طائرات الحلف الاطلسي ويستعين ب"الكفار" و"التكفيريين" القاعدة والجماعة الليبية المقاتلة (سجناء بوسليم)، ويُنظر لهذه الفتنة ويشارك فيها قلبا وقالبا تيار الإخوان المسلمين، فمع من يجب أن نقف؟.
وقد تعدى شيخ الإخوان "الاكبر" الشيخ يوسف القرضاوي فتوى الشيخ الددو بمطالبة قتل القذافي على الهواء. وقال بأنه من فقه الموازنات، ومن فقه المآلات، وفقه الاولويات، أن نقتل رجلآ لنجاة شعب، وقال من استطاع أن يتقرب إلى الله بقتله فدمه في رقبتي. افتى بالقتل مباشرة على الهواء، وتحمل دم امريء مسلم، فهناك صورة للقرضاوي مع القذافي، ومحمد حسان، وكثير من العلماء فإن كان كافرا فلماذا يوقوونه كما قال الشيخ صلاح بن ابراهيم احد خطباء مساجد الاقصى المبارك.
وكان القذافي عندما حكم ليبيا أمر بإنزال الصلبان من الكنائس وقال معمر:" لا يحل رفع الصلبان في بلاد المسلمين"، وقال الشيخ كشك حينها عمر الإسلام معمر، -وهناك شهادة بهذا الأمر في اليوتيوب يقولها الداعية لعريفي ويدعو فيها للقذافي بالنصر والسداد- بينما "المجلس الانتقالي القطري الذي قاد التمرد على معمر" اتى بكل النصارى وطياراتهم وبوارجهم من أجل إسقاط القذافي الذي اسقط الصلبان.
والسؤال الآخر الذي يجب طرحه.. هل توقفت شلالات الدماء في ليبيا بعد ثمان سنوات من إخفاء جثمان القذافي وجثمان ابنه المعتصم بالله؟ و هل استقرت البلاد كما كانت عِيشة رغدا؟