
ماذا بعد الخمس الأواخر؟ “اتضحت الصورة”…
يمر كلُ قائد بمرحلة التغيير الجوهري لشخصيته، من الانفتاح إلى العزلة والعكس صحيح ومألوف الحدوث، يُولد القائد كما يُولد السياسي أو كما تضعُ كلُ ذاتِ حملٍ حملَها، القاسم المشترك بين الثلاثة، “الخوف من السقوط”، فعندما ينضجُ القائدُ يصبح سياسيًا، فيترتب على نفسه ما لا تقبله روحُ قائد، فمبدأ الأخير يعتريه عدم حسن الظن الدائم، فيما السياسي يتبنى الأخيرة ولكن مع الانفتاح الحذر، ولا يغيب عن خاطره خيار أن يخيبَ ظنه. أما الأول فيُجَرُّ إلى مستنقعِ العزلة الذي ينطوي على مُرِّ الانغلاق على النفس عن الصالح والطالح، وفي الغالب ما يَنأى الصالحُ بنفسه عنك كرامةً، وأما الطالح فبقدرته على التلون سيجد الطريق إليك.
يَنْضُجُ قَائِدٌ؛
يبدو أنه بعد حولين من تشتتِ الأفكار وانعدام أي رؤية عن مدنية زعيمِ 29، كان السؤال المستشري: هل أن عطره المفضل كأسلافه ممن عَجَّتْ بذلاتهم برائحة البارود والدم أحيانًا كثيرة؟ لا يبدو في مسيرة وزير اليوم ما يثيرُ الريبة، فابن “تگانت” لم يشارك أوان شبابه الأول تحت راية “فريق المجرية للرماية” ولا سباق الأصيلة حتى، مُسْتَزْوٍ بقدر ما هو مُسْتَعْرِبٌ اليوم. فبكرُ السبعينات منذ بلغ أشده، بدا كأنما يستعد لليوم الموعود، فقرابة الألفية الثانية نزل من الأعلى المغربي مُهندسَ إحصاءٍ، لا يكن الولاء إلا خطوة لمحمدٍ لم يكن سادسًا آنذاك. في مسيرة شرعنة هندسة الإحصاء، لم يكتفِ ابن المجرية ببركة الدرجة الملكية، فبركاتُ البابا ربما كانت تلزمه، ليواصل مسار الماستر في بلد العَمّ نابليون بونابرت.
الحَضيض:
طيلة خمسٍ عِجاف، وتحديدًا بين عاميْ 1998 والعام 2003، يقول أحدهم: لم نمتْ ولكننا كنا عاطلين. في تلكم الحِقبة شغلَ المُسْتَعْرِبُ منصبًا يشبه “المكلف بمهمة اليوم”، مسؤولًا بنظام المعلوماتية حول سوق التشغيل في مشروع السياسة الوطنية للتشغيل الممول من طرف الأمم المتشتتة. أتمنى أن نُثابَ على قراءته. وفي حقبة الدموية من 2003 وحتى انتزاع الممبوذ للحُكْم عام 2008، شهد البلد آنذاك هجمات إرهابية مدمية نظمها وخطط لها أبناؤه. كان المُسْتَزْوِي خلالها يشغل منصب مسؤول للتهذيب والتكوين، وحتى العام 2015 شغل زعيمُ 29 مناصب عدة وغير مترابطة كان لها الدور الكبير في تأطير وتوسيع خبرته وإحاطته بمجريات ما يتغلغل في مؤسسات الدولة.
في مجلسهم:
على طاولة واحدة أصبح المُسْتَعْرِبُ يقفُ المنكبَّ للمنكبِ والساقَ بالساقِ بين صفوف الجالسين لصلاة أن تفلح كذبة اليوم، فالممبوذ لا يرجمُ الصادقين. تسلم زعيمُ 29 حقيبة المالية، ويبدو أنه أجاد الكذب والوفقة الرصينة، ليسعف بعد حولٍ بسلة الاقتصاد، وعلى مدى الحقبة الأخيرة قُبيلَ نُفوقِ الممبوذ، يجوب ويجول بين الأرقام المليارية ويكدس الرفوف التريليونية رفًّا تلو آخر طيلة خمسٍ عِجاف لا عليهم.
حقبة المُتأني:
في منزله ولكن بين الغرباء، نجا زعيم 29 من السم الذي أودى بالممبوذ، ربما لأنه يلزم الغرباء. فمن بين المصلين الراحلين لا أحد غيره يجيد اللعب بالعملة الذهبية. رغم نفي الغرباء لرفوف التريليونات التي عكف على جمعها قبيلهم، آمنوا به، وصدقوا قدرته على إعادة رصِّ الرفوف وإن من داخل المناجم.
بعدما أثبت الزعيم نفسه، وعاد من الساحل ملطخًا بالفحم، قربه المتأني ديوانًا له وتقبله الغرباء. وبُعيد حِقبة المتأني الأولى، وبعدما زال عن وجه الزعيم الفحم والقذارة النبيلة، أُستخلف، خلفًا على الغرباء.
الحياة مثل الباب المفتوح، لا تثق أبدًا بالقطط، لأن الشمس لا تستطيع السباحة.
بتاريخ: 2029 / 2 / أغسطس .
المختار اجاي
الكاتب : شيخاني سيدي محمد