وكالة السواحل للانباء- نواكشوط: تلك المختصرات تلخيص لكتاب " L’ éducation saharienne d’un Képi noir, Mauritanie 1933-1935 " لمؤلفته الكاتبة "صوفي كاراتيني"، خبيرة الأنثروبولوجيا الفرنسية.
حاولتُ أن أنقل بعض التفاصيل عن تلك الحقبة الاستعمارية في بلدنا، عن مجتمع البظان آنئذ، مجتمع لا تُسبَرُ أغواره بمعنى آخر (ما تنكَبظ أُطايتُ)، حاولتُ كذلك نقل بعض الجزئيات التي تحررت من قيود الزمن على لسان الجنرال الاستعماري الفرنسي، ومن بعض المحظورات التي فككت عنها قيود المحذور أو المُحترز منه ضمنا، لا بحثا عن إثارة أو جلبا لإساءة كما فهم البعض غلطا، لكن لأعطي صورة صادقة عن المشهد الاستعماري..
الكتاب لا تتلاحق فيه الأحداث، وأقل ثراء من سابقيه، ومليء بالسرد المبالغ فيه للصُّور الوصفية الوقتية لتفاصيل الانبهار الذي عاشه شاب فرنسي انتقل فجأة الى بيئة غريبة عليه،
الكتاب كما هو حال بقية السلسلة يؤكد أن الاستعمار لم يكن أبدا نعمة، وأبرزَ بالشواهد ملامح وجهين لمجتمعنا ذلك، وجه مظلم للعمالة والخيانة والخنوع والإباحية ووجه وضاء للجهاد والاستشهاد لا يُصادَر اشراقه.
طبعا، المستعمر يفوق أهلنا في العُدَّة ويتفوق عليهم في العتاد والغَلبة على الأرض للمسيطر، وقد تَرَكَ بصمة خشنة في الشمال لأنه استقر واستمر وتوطّن ونفَّذ خططه الاجتماعية بموازاة العسكرية على امتداد عقود، وهذا ما سَلِم منه جل مناطق الوطن التي شقَّها في الأغلب عابرا لا مُستقرا،..
لكن ذلك لم يُعجز ثلة غير طيَّعة من الشرفاء، ظلَّت سيدة نفسها، لم يكن للمستعمر نهي عليها ولا أمر، وقد أنصفوا الانتماء للدين، دافعوا عن الأرض وصانوا العرض.. وحَّدت المقاومة سبيلهم وتعشَّقت ارواحهم الشهادة وسعت وراءها، والأكيد أن وجودهم كان حقيقة بالقرائن وليس تجميلا مناَّ لتاريخنا كما يدعي الأدعياء.
اعترافات الفرنسيين من حين لآخر لا تَسُرُّ من اكتشف الفضائل المتعددة للمغالطة بقلب الطاولة على التاريخ وطمره تحت شواذِّ الروايات لإزالة كل اعتبار للمقاومة وفي خفة، ورُبَّ مُشكك فيكَ ولدته أمك،..
أقرب مثال على ذلك مَنْ حَفَر في الماضي الاستعماري ليرسّخ قدم فِريَة تاريخية من نوع: «معركة أم التونسي لم تكن بطولة مقاومة!»،.. وفي بعض الافتراء سفاهة، إن شهادة الجنرال الفرنسي موضوع قصة الكتاب تَزدري وتُزري بذلك الافتراء وتؤكد أن "أم التونسي" كانت ملحمة بين المقاومة والاستعمار وأعوانه.. لكن هل نحتاج فُتات شهادات المستعمر؟
هذا الجنرال الاستعماري ليس أكثر إدراكا منَّا لتاريخنا مع المغتصب، لكنه كان أكثر نزاهة فكرية من بعضنا في التَّعاطي معه،.. استغربُ منَّا حين نهزأ من أنفسنا باسترخاص تاريخنا والاجتهاد في بتر كل مضيء منه من وجداننا، إرضاء لبعض التنابز السياسي العابر والمنذور للفناء.
أستغرب من الذي يسْتَخلب حقبا تاريخية على أخرى لتجرحها أو لتبتلعها حتَّى، ويُدعِّم ذلك الاتجاه بشواهد فاخرة الشكل اللفظي، مزيفة المحتوى العلمي، مسكوكة من العوالم التخييلية الذاتية، ومن الأورام النفسية التاريخية.
أعطت الكاتبة ثلاث قراءات للاستعمار، ومازال الصوت الغائب في سلسلة كتبها صوت المقاومة...
في وقت ما وصل بنا الضيق من المقاومة أن أصبح مجرد الحديث عنها ضربا من الهذيان، والإشادة بها ممنوعة من الصرف ومحل استهزاء وتوظيف، لأن نوازع شاذة وُمهشَّمة من الداخل تُلحُّ على ذلك.
الوفاء مرض عُضال، آخر بؤره في الكلاب.
الرحمة والاجلال لأرواح شهدائنا..
تحياتي .. الدهماء.
تعليق
المصدر: الفتاش