
اتهم "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (حقوقي مقره جنيف)، "إسرائيل" بمواصلة ارتكاب جريمة التهجير القسري بحق سكان قطاع غزة، في إطار سياسة معلنة وممنهجة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين، وذلك باستخدام أدوات متعددة، تشمل القصف واسع النطاق، والتجريف، والتجويع، وتدمير البنية التحتية، والطرد بالقوة العسكرية، وأوامر الإخلاء القسري.
وقال المرصد، في بيان صحفي اليوم الأربعاء، إن "إسرائيل" حوّلت غالبية مناطق القطاع إلى أراضٍ مدمّرة وغير قابلة للحياة، ودفعت مئات آلاف السكان إلى التجمع قسرًا في بقعة صغيرة لا تتجاوز 15% من مساحة القطاع، تمهيدًا -وفق تقديره- لتنفيذ تهجير جماعي خارج غزة، في امتداد مباشر لما وصفها بجريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين منذ نحو 21 شهرًا.
وكشف الأورومتوسطي أن قوات الاحتلال أصدرت في الفترة ما بين 28 و30 حزيران/يونيو ثلاثة أوامر تهجير عسكرية جديدة، شملت مناطق واسعة في شرقي وجنوبي مدينة غزة وشمالي القطاع، مما أدى إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين، دون وجود أي ملاذ آمن أو إمكانيات للعودة. وبهذه الأوامر، يرتفع عدد أوامر الإخلاء التي أصدرتها إسرائيل منذ 18 آذار/lhvs –وهو التاريخ الذي تنصّلت فيه من اتفاق التهدئة المؤقتة– إلى 51 أمرًا، بعضها جديد وبعضها تجديد لأوامر سابقة، في ظل تصعيد عسكري متواصل.
وأشار المرصد إلى أن أكثر من 85% من أراضي القطاع أصبحت خاضعة لسيطرة عسكرية مباشرة أو مشمولة بأوامر نزوح قسري، ما يعني فعليًا محوًا منهجيًا للوجود الفلسطيني على الأرض، وسعيًا مكشوفًا لإحداث تغيير ديموغرافي دائم.
وأضاف أن هذه الأوامر تصدر دون وجود أي مبررات عسكرية حقيقية، ولا ترتبط بإطلاق صواريخ أو أحداث أمنية، مما يدل على أن التهجير بحد ذاته أصبح هدفًا مقصودًا، وأن إسرائيل تنفذ سياسة اقتلاع منظمة للسكان المدنيين، في ظل غياب كامل للمساءلة الدولية.
وذكر المرصد أن أوامر التهجير منذ مارس الماضي تسببت في نزوح ما لا يقل عن مليون فلسطيني، كثير منهم اضطروا للفرار إلى مناطق مدمّرة أو مفتوحة أو إلى الشوارع، وسط غياب الغذاء والمياه والخدمات، وتفشي الأمراض، في ظروف إنسانية شديدة القسوة.
كما أشار إلى أن قوات الاحتلال لا تكتفي بطرد السكان، بل تدمر بشكل ممنهج الأحياء التي تهجّرها، عبر القصف الجوي، والتفجير بالروبوتات المفخخة، والهدم والتجريف، في واحدة من أوسع حملات تدمير المدن والمناطق السكنية في العصر الحديث.
وأكد المرصد أن القصف الإسرائيلي يستهدف حتى المناطق التي أُجبر المدنيون على النزوح إليها، بما في ذلك الخيام والمدارس ومراكز الإيواء، ما أسفر يوم الثلاثاء 1 يوليو عن مقتل خمسة مدنيين، بينهم امرأة وطفلان، جراء استهداف خيامهم في منطقة المواصي غرب خان يونس، رغم أنها من المناطق التي وجه الاحتلال إليها النازحين سابقًا.
وفي اليوم نفسه، قتلت قوات الاحتلال 12 مدنيًا آخرين، معظمهم من عائلة واحدة (عائلة الحلاق)، بعد استهداف منزلهم في مخيم خان يونس، وهو ما وصفه المرصد بنمط مستمر من المجازر الجماعية التي تطال العائلات الفلسطينية بشكل مباشر ومقصود.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن التهجير القسري يُعد جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي، وانتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة، وقد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكب ضمن سياسة ممنهجة وواسعة النطاق، وهو ما ينطبق بوضوح على الحالة في غزة. وأكد أن التهجير الجاري لا يقتصر على إخلاء السكان، بل يُمارس ضمن ظروف قاتلة، ما يجعله أيضًا أحد أفعال الإبادة الجماعية حين يقترن بنيّة تدمير الجماعة الفلسطينية جزئيًا من خلال إخضاعها لظروف معيشية قاتلة.
وأشار البيان إلى أن الجرائم المرتكبة –من التهجير، والقتل، والتدمير، والتجويع– تشكل عناصر متكاملة ضمن خطة إسرائيلية واضحة تهدف إلى طرد جماعي للفلسطينيين خارج القطاع، بعد ما يزيد عن 20 شهرًا من جرائم الإبادة التي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 200 ألف مدني، ومسح بلدات كاملة من الوجود، وتدمير شبه كلي للبنية التحتية، وتجريف كل مقومات الحياة في غزة.
واعتبر المرصد أن هذه السياسات تمثل امتدادًا مباشرًا للمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي القائم منذ عقود، لكنها اليوم تأخذ طابعًا أكثر شمولًا وخطورة، إذ تستهدف 2.3 مليون إنسان في ظروف غير إنسانية تهدف إلى دفعهم قسرًا نحو خيار وحيد للنجاة: مغادرة وطنهم.
ودعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجرائم الجارية في غزة، بما يشمل وقف التهجير القسري والإبادة الجماعية، وضمان تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين.
كما طالب بفرض عقوبات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل، تشمل وقف تصدير الأسلحة إليها، وتجميد أصول شركاتها الأمنية والعسكرية، وحرمانها من الامتيازات التجارية، ووقف جميع أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي.
وختم المرصد بيانه بالدعوة إلى تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق، وتسليمهم إلى العدالة الدولية، وفرض مذكرات توقيف دولية جديدة بحق المتورطين في الجرائم، التزامًا بمبادئ العدالة الدولية ورفض الإفلات من العقاب.
وترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبدعم أميركي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 191 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.