ترسيم الحدود مع مالي: المعركة الكبرى التي تأخرنا في خوضها

خميس, 29/05/2025 - 16:13

مع كامل الأسف، كان الفساد وسوء التقدير الاستراتيجي من أبرز أسباب تعطل ترسيم الحدود بين موريتانيا ومالي.
فقد أُهدرت استثمارات ضخمة في مشاريع وهمية خلال التسعينات وحتى قبل بروز صراع النفوذ بين الغرب والشرق في مالي، وكانت تلك الموارد كفيلة بحل هذه المعضلة التي طال أمدها.
لقد أدركت الجزائر هذا الواقع مبكرا، فحين أرادت حسم مسألة ترسيم الحدود مع مالي، وفرت الوسائل التقنية والمالية الضرورية لمساعدة الجانب المالي، وتم ترسيم الحدود رسميا سنة 1983، وانتهى الملف بسلام.
أما نحن، فقد تجاوزنا اللحظة الحاسمة، وباتت الحاجة ملحة لتدارك الأمر،  وكما قال الجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر:
"كل الهزائم الكبرى يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: فات الأوان."
وأضاف في فلسفته العسكرية:
"المعركة لا تعني فقط استخدام السلاح بالمفهوم الكلاسيكي، بل تشمل كل أدوات القوة بما في ذلك القوة الناعمة."
وهنا، يجب أن ندرك أن ترسيم الحدود معركة ليست فوقها معركة.
إن طول الحدود بين موريتانيا ومالي يبلغ حوالي 2374 كلم، ومع خصم مجرى كراكور الذي يُقدّر بحوالي 200 كلم، تصبح المسافة الفعلية للترسيم عند حدود 2174 كلم.
وتقدّر تكلفة ترسيم كل كيلومتر بنحو 230 ألف دولار، وفقا لتجارب دولية ودراسات البنك الدولي، مما يعني أن إجمالي التكلفة قد يصل إلى نحو 500 مليون دولار أمريكي.
ومع ذلك، فإن الحل لا يكمن فقط في الأرقام والحسابات. فمن عيوب الناس الكبرى – كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي
"ولم أرَ في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام."
إننا بحاجة إلى تجاوز مرحلة الاكتفاء بالتبرير والتحسر على الفرص الضائعة. فـ"توريط" الجانب المالي لا يخدم أمننا الوطني، بل قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة نتيجة الفوضى على الحدود، مما يهدد استقرارنا كشعب ودولة.

البديل  هو بناء علاقة متينة مع مالي، علاقة تُسهم في إنقاذ الشعب المالي من القتل والتقتيل وإنقاذ الدولة من الانهيار، عبر توظيف ما نملكه من قوة ناعمة – تاريخية وثقافية وجيوسياسية – قادرة على إعادة التوازن للمنطقة.
وهنا، يجب أن نؤكد أن إنقاذ مالي يجب أن يُوظف في مشروع ترسيم الحدود، بعيدا عن أجواء التشنج والاختطاف التي تعاني منها اليوم، لأن هذا الخيار الاستراتيجي يحقق أمننا واستقرارنا الإقليمي ويعزز حضورنا الفاعل في محيطنا الجغرافي.
وفي قضية الحدود مع مالي، من المثير للدهشة أن الجالية الموريتانية في مالي لا تشارك في الانتخابات، كما هو الحال في السنغال وساحل العاج وغيرها، في حين ان التصويت كان يتم، وبشكل غير قانوني، في قرى مالية على الحدود، في مكاتب ومدارس موريتانية خارج الأرض الموريتانية؛ بسبب نفوذ رموز الديموقراطية في الأرياف.
وقد قامت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، في الآونة الأخيرة، بسحب عدد من هذه المكاتب، بما في ذلك مكتب تصويت في قرية،  اقتحمها الجيش المالي رفقة قوات من فاغنر الروسية.
وفي الختام، فإني أعدكم، أن أخصص حلقة كاملة من برنامجي "التجسس على المستقبل، الذي اعده وأقدمه ويبث على منصة التيار" لتحليل القوة الناعمة التي تملكها موريتانيا، وكيف يمكن استثمارها كأداة استراتيجية فعالة في معالجة الأزمة الموريتانية المالية، وفي حماية أمن منطقتنا واستقرارها.
أحمد أمبارك
رئيس مركز ديلول للدراسات الاستراتيجية