كيف تخلّد الصحافة يومها العالمي هذا العام؟!/تماد إسلم أيديه

خميس, 01/05/2025 - 16:19

يُعد اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يُحتفل به سنويًا في الثالث من مايو، مناسبة دولية مهمة لتسليط الضوء على المبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم مدى التزام الدول بحماية هذه الحرية، والدفاع عن وسائل الإعلام من الانتهاكات، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم خلال أداء واجبهم المهني.
لكن هذه الذكرى تحلّ هذا العام، والصحافة تُستهدف وتُقمع وتُشرد في غزة أمام أعين العالم، دون أن يُبذل جهد فعلي يُعيد لها حقها، وحريتها، وشرفها. ففي ظل عدوان مستمر منذ شهور، قُتل أكثر من 100 صحفي فلسطيني، بينهم عائلات بأكملها، بحسب تقارير مؤسسات دولية، وسط صمت رسمي مريب، وعجز أممي عن وقف نزيف الحقيقة.
فما جدوى الاحتفال، إذا كانت الكلمة تُطارد، والحقيقة تُدفن تحت ركام الصمت والتواطؤ؟
ورغم أن هذا اليوم أُقر من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، بناءً على توصية من منظمة اليونسكو، ويعود تاريخه إلى ذكرى إعلان “ويندهوك” الصادر في 3 مايو 1991، والذي دعا إلى إقامة صحافة حرة ومستقلة في إفريقيا، إلا أن الواقع الراهن يتناقض تمامًا مع تلك المبادئ التي نادت بها الوثيقة الأممية.
فاليوم، تُستهدف الكاميرا كما تُستهدف البندقية، ويُصنَّف الصحفي كخصم، لا كشاهد حي على الحقيقة.
حرية الصحافة: حجر الزاوية للديمقراطية
حرية الصحافة هي الركيزة الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي، إذ تضمن تدفق المعلومات بحرية، وتمكّن المواطنين من الاطلاع على ما يدور حولهم، والمساءلة، واتخاذ قرارات مستنيرة.
كما تلعب الصحافة دورًا محوريًا في فضح الفساد، والانتهاكات، وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، والمساهمة في تنمية المجتمعات. وهذا بالضبط ما يجعل استهداف الصحافة الفلسطينية اليوم استهدافًا مباشرًا للحقيقة، ومحاولة مفضوحة لطمس الرواية التي تفضح الجريمة أمام العالم.
تحديات قاتلة تواجه الصحفيين
رغم الأهمية المحورية لحرية الصحافة، فإنها تواجه تهديدات متزايدة في أنحاء كثيرة من العالم، ومنها:
القتل والتنكيل والتشريد والسجن.
الرقابة وتقييد المحتوى.
الاعتداءات الجسدية والاعتقالات التعسفية.
التحريض والتشهير والتضييق الرقمي.
الإفلات التام من العقاب للمعتدين على الصحفيين.
وفي غزة، تحوّلت الكاميرا إلى هدف عسكري. مؤسسات إعلامية دُمّرت بالكامل، وصحفيون استُهدفوا بشكل مباشر، رغم ارتدائهم الزي الصحفي المعروف. في بعض الحالات، تعرّض الصحفيون للقصف وهم يبثون الوقائع على الهواء مباشرة. ومع ذلك، لا تزال آلة القتل تعمل بلا توقف، ولا مساءلة، ولا عدالة.
المجتمع الدولي: الصمت ليس حيادًا
اليوم العالمي لحرية الصحافة ليس مناسبة تهم الصحفيين وحدهم، بل هو دعوة للمجتمع الدولي بأسره—حكومات، منظمات، مؤسسات، وأفراد—لاتخاذ موقف حقيقي،لا يكفي التنديد اللفظي، ولا التعازي الدبلوماسية. ما نحتاجه هو تشريعات تُطبّق، ومحاسبة عادلة للجناة، وضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة، لا يُقتل فيها الصحفي لأنه ينقل الحقيقة، ولا يُسجن لأنه يرفض تزوير الواقع.
وإلا، فإن كل الشعارات التي تُرفع في هذا اليوم تبقى حبرًا على ورق.
في الختام: لا حرية بدون صحافة حرة
الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة هو تذكير بقيمة الكلمة ووزن الحقيقة، وتكريم لأولئك الذين يدفعون أرواحهم ثمنًا لنقل الواقع كما هو، بلا تزييف أو تلوين.
وفي زمنٍ تتعاظم فيه محاولات إسكات الصوت الحر، يبقى القلم الحر هو السلاح الأقوى، والحقيقة هي الخندق الأخير الذي يجب الدفاع عنه بكل السبل.
فلا حرية حقيقية بدون صحافة حرة، ولا عدالة بدون صوت يصرخ بالحقيقة… مهما كلّف الثمن..