قراءة ومعاني سامية لانتصار العراق على ايران في 8/8/1988 /بقلم:أ. د. طارق السامرائي

خميس, 07/08/2025 - 13:24

مع إطلالة المناسبة التاريخية لعام الانتصار العراقي في ملحمة تاريخية مع ايران الظاهرة الخمينية عام 1988 والتي تغني بها العراقيون والعرب تحت مسمي ((قادسية صدام الثانية المجيدة )) والتي نشبت في سبتمر عام 1980 ولمدة 8 سنوات تجرع فيها الجانب الإيراني ومرجعه الخميني السم ،والتي انتصر فيها العراق عسكريا وشعبيا بعد ان خاض غمار واحدة من اعنف الصراعات العسكرية في التاريخ الحديث.
ومن صفحات القراءة التاريخية والتوثيقية والاخلاقية لهذه الحرب ومعانيها السامية وما يتعلق بها على ((الصعيد السياسي )) من جانب و((الصعيد الجيوغرافي)) من جانب ثاني والذي يتمثل في شعار ايران الخطير ((تصدير الثورة الإيرانية ))، للمرجع الإيراني خميني، وهو الشعار الذي يعبِّر عن انتهاك سافر وفاضح لسيادة الدول العربية والقانون الدولي وكل قيم حسن الجوار.  ثم مزاولة التحرش والاعتداءات المتكررة على حدود ومدن العراق ومنذ عام 4 أيلول عام 1980.
لقد تكفل التاريخ والشرف القومي بأن يكون قدر العراق هو القلعة للدفاع عن حياض الامة العربية امام كل الهجمات العسكرية والفكرية والعنصرية عبر التاريخ من شرق الامة والمواجهة لإسقاطها والتي تمثلت في الموجات البربرية والمنغولية والتترية الوافدة على ساحات الامة العربية ،ألزمت عراق الامة ان يتقلد دور اساسي في مواجهتها والحفاظ على كل الامة من مشاريعها العدائية واطماعها في خيراتها.
من هذا المنطلق المتواضع فالحرب لم تكن أساسا ضد أيران ،بل لانها كانت تحمل في رياحها حقد تاريخي مشحون بسمة توسعية فارسية عنصرية تحت غطاء طائفي على العراق ونظامه الوطني المتشح بعباءة النضال العربي القومي بقيادة حزبه الطليعي حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادة مسيرته المؤمنة ،لذا فهي حرب لها أبعادها الاستراتيجية الكبرى ،وهي حرب بين رؤيتين وعقيدتين احداهما وطنية وقومية تحررية نهضوية والاخرى فارسية توسعية تقسيمية ، وبالتالي لكل منها بعدها الواضح .
فالعراق وحزبه حزب البعث كان يمثل الخيار العربي القومي في منهجه الأيدولوجي ويتطلع إلي بناء أمة موحدة  متحررة من الهيمنة الاجنبية ، لها مشروعها النهضوي والإنساني والعلمي والتنموي. وبناء مجتمع وانسان عربي يؤمن بأنتمائه وجذوره باطار التعايش الإنساني والاخلاقي مع محيطه المحلي والدولي بسلام واحترام لكل قيم القانون والشرعية والحياة والحياد الايجابي . وهو الأمر الذي يؤرق غالبية المنتمين لقوي الشر والتي تشعر بانه تهديد أستراتيجي لبرامج سياستها العدوانية الطامعة، وهو شعور يتزاوج مع ما حملته رياح الفكر الخمينية كظاهرة توسعية فارسية والتي تتلخص في ميزتين والتي كلاهما تتقاطع مع طبيعة النهج الوطني القومي للعراق والامة العربية .
١- نشر وتدويل ما ادعته ايران الخميني ((تصدير الثورة الإيرانية )) والتي تتطبع مع سياسة الحقد على العرب ومقدساتهم القومية.
٢- تجييش النوازع الطائفية والتي استوطنت البلدان العربية وتفعيل وتحريك مشاعرهم ضد الأمة العربية وتحريضها على تعطيل أدوارها التنموية واستخدام التعبئة الفكرية التقسيمية وتعميق وبناء شعور أن هذه الأنظمة فاقدة لشرعية الدين الإسلامي والانتماء القومي.  فكان العراق ونظامه وحزبه في طليعة المواجهة لديهم ،حيث إن سقوط الحكم في العراق يفتح باب جهنم على ساحات الامة من هذا الامتداد التوسعي التقسيمي.
فكان العراق وحزبه هو المحطة الاولي للعصف العدواني والعمل على تقويض نظامه وتوريد موجات من الجواسيس والعملاء لزعزعة جبهته الداخلية وخلق الخلخلة في نسيجه الاجتماعي .
كان الخميني والخمينون يحلمون في تحقيق المزيج من تطلعاتهم الدينية المتخلفة ذات طابع الطموح للهيمنة الاقليمية هدفها تدمير الفكر الوطني القومي والقدرات في مشرق العرب والضفة الغربية للخليج العربي .
وفي هذا الاطار فأن خميني ايران باشر ووفق هذه الاستراتيجية توجيه البوصلة للعراق والساحة العربية ووجهتها بدايات التحرش الإيراني والاعتداءات المتكررة لحدود العراق وهي خطوة أولية في الاستراتيجية للسلوك الخميني الإيراني .
ومن المتتبع لشؤون هذه الحرب يجد انها :
1- ((لم تتخذ الخيار العسكري مباشرة بل اتخذت بث السموم كمنهج من خياراتها الاستراتيجية ومنها أسلوب التحريض الطائفي والتهييج للشعور الفئوي وتحريك الاحاسيس وبث امراض التخلف )) في ساحات العراق والكويت ودول الخليج بهدف زعزعة استقرار أوضاعها .ودفع الموالين لها لعرقلة كل خطط مشاريعها للبناء والتنمية ،بل وتم تصدير الجواسيس والعملاء لكي تنشط في التخريب وخلق الحراك المعاكس ،بل واستخدام العمليات الارهابية وتوطين العنف على أمل اسقاط الأنظمة في الساحات العربية .
كانت نقطة الانطلاق لهذه الاستراتيجية هي (العراق) لاسباب تاريخيّة ومذهبية دينية وجيوبوليتيكة وكونه بلد الجوار المباشر والذي (يعتمد على قوة ذاتية وحزب سياسي قومي الهوية وجماهيرية واسعة ).
٢- على المستوي العملياتي فعلى الجانب الاخر (كان للعراق خيارا استباقيا كلفها به التاريخ وهو في غمرة الانشغال بعملياته البنائية والتنموية الشاملة التي كرس لها كل جهوده وموارده جعلت قيادته مؤهلة لتوجيه رصيد الناتج الوطني والقومي والتي باتت تحت تهديد الحرب ،لذلك لجأ العراق لخيار الحرب وهي بالاساس مسؤولية أيران في ظل شعارها العنصري التوسعي (تصدير الثورة )
٣- مرت الحرب بصفحات عديدة ،اكتسب بها العراق وحزبه الطليعي وقيادته الحكيمة عبر وتجارب أغنته كثيرا في استطلاع الواقع بعمق وطبيعة المتغيرات في الاطار السياسي الدولي والعربي وشخص بدقة الى اين تسير هذه المتغيرات في مناخ يعج بالمصالح الدولية للقوى الكبرى قبل السياقات الانسانية والشعوب ،فقد قدمت الحرب أفاقاً مضافة لطبيعة سياسة المنافع والمصالح الدولية بما يخدم أجندتها ومشاريعها دون الالتفات الى مطاحن القتال والفتك المبرمج،  فقد اعتمدت تلك القوى سياسة تغذية الحروب لكي تدوم وتحصد وترهق الأنظمة العربية لذلك لجأت الي استخدام ((الازدواجية في معيير التعامل للحرب )).
فالغرب وأمريكا وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية كانوا على تواصل لمد نار الحرب وتقوية العجلة العسكرية الإيرانية ودعمها بالسلاح وخطط الاستراتيجيات الحربية والهدف منه مرحليا كان ((تمكين فروع الإسلام السياسي)) في مواجهة العراق وهو خصم للغرب وأمريكا وإسرائيل وأنهاك تياري ((القومية العربية )). لذلك تطرفوا في دعم ايران في هذه الحرب مع سوء النية وجندوا بعض الأنظمة العربية في هذا المخطط ضد العراق وحزبه وقيادته وتخريب داخله سواء على مستوي المجتمع او خلق بؤر التذمر والفوضى ،وهو ما أدركته قيادة العراق فاتخذت خيار ((الحرب الاستباقية ))رغم كراهيته وعدم استكمال مشروعه الوطني القومي النهضوي لكنه كان خياراً مفروضاً لتجنب استفحال المد الطائفي ونخره للجبهة الداخلية العراقية .
٤- قد لا يدرك البعض أن الحرب مع ايران لم تكن فقط ((دفاع وهجوم وعمليات عسكرية ))فحسب بل انها ظرف استثنائي فرض عليه للحفاظ على مكتسبات الثورة والحزب ومنها :
١- فترة بناء لقواته العسكرية وتجديد طواقمها والذي على أثره تم ما يلي
أ‌- مولد الحرس الجمهوري كقوة نوعية
ب‌- زيادة عدد الفرق العسكرية للجيش
ت‌- عسكرة جهود البعثيين في تجربة الجيش الشعبي
ث‌- سقوط استراتيجية ايران في شعارها العقيم ((تصدير الثورة )) وإسقاط نظام العراق وحزبه
ج‌- خروج العراق منتصراً  بكل المقاييس والمعايير.
ح‌- حقق الجيش العراقي انتصارات في اكبرملحمة للتاريخ العسكري المحلي والدولي  وهي ((ملحمة الفاو)) والتي احرقت قلوب زمرة خميني وأبكتهم.
خ‌- نجاح العراق في حرب ناقلات النفط والتفوق في حرب الصواريخ وإخضاع الاجواء لنسور القوة الجوية وتحرير جزيرة خرج واخواتها ودك المدن الايرانية البعيدة وتوريط اقتصادها في حرب ضروس حسمت كفتها لصالح العراق
د‌- رغم الدعم الخياني والمبرمج من الغرب وبعض دول العرب وإسرائيل لايران كانت رؤية العراق يخرج منتصراً وهو يلقن إيران وعملائها ومؤيديها تيقن لديهم ان ايران قد خسرت الحرب وموازين القوي وما تبقي منها فهو مسألة وقت .
وان استمرار الحرب بدأ يعزز من قوة العراق ويعمل على تصعيد الروح الوطنية بصورة ملحوظة ويزج في دائرة العمل طاقات جديدة كانت شبه معطلة مثل العنصر النسوي والشبابي وتقديم فرص تمثيلهم في حقول السياسة والمجتمع وتعاظمت قدرات الحزب ومؤسساته ،حيث اكتسب البعث قيادة وتنظيما صفة اكثر ألتصاقا وعمقا في ايمان الجماهير على الخط العراقي والعربي ومختلف المستويات الفكرية والتنظيمية
ذ‌- أفرزت الحرب جيلا اكثر تطلعا ووعيا وتقربا وانسجاماً لقيادتنا السياسية ونضجت قيادات عسكرية ذات مستوي كفوء ومتخصص وعاد الجيش العراقي رابع جيش في العالم والاول عربيا والمهيأ لكل مهمة قومية .
ر‌- الانجاز العراقي العربي خدم التاريخ وحاز على بطاقة النصر المبين وعاد لكي يستأنف مهامه التاريخية في البناء والنهضة والتي تم تاخيرها بسبب الإنشغال الحربي ومستلزماته وهو الأمر الذي فتح بوابات النهوض بهمة عالية .
وما تلى هذا الانتصار الفريد للعراق والامة العربية واجه العراق تحديا جديدا في بعض مواقف عربية فتحت باب المواجهة الجديدة وهو ما كان تتوقعه القيادة العراقية فبعد حرب الخصوم تفجرت حرب بعض الأشقاء وأطراف عربية لم تكن تأمل في هذا الانتصار الذي ركع ايران وداعميها فنصبوا بعض ما نصبوه من سقوط وتدني لقيم العروبة والرجولة واصطفوا في خندق الكفر والخيانة والحقد إلا انهم خسروا التاريخ وشرف الولاء العربي والمنازلة القيميّة وباتوا اليوم يعضّون أصابعهم ندماً كونهم فتحوا ابواب المزاد العلني لبيع سلع خيانتهم وانحيازهم فكانوا عربا بلا عروبة وصهاينة بلا طقوس وعراة من مواقف الرجولة الى مواقف الضعف.فتبا لمن كان عربيا بلا عروبة وسيبقي العراق وحزب البعث العربي الاشتراكي حيّا لا يموت رغم كل شيء، وسيبقى حامي الامة ورمز كل تطلعاتها في الحرية والنهضة، ولن تزيده التحديات والمحن الا قوة وصلابة.