أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن حجم الفظائع غير المسبوق الذي تم إطلاقه على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.
وأضاف العاهل الأردني في خطاب باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك في دورتها التاسعة والسبعين يوم الثلاثاء، أن العدوان الصهيوني تسبب بأحد أسرع معدلات الوفيات مقارنة بالصراعات الأخيرة وأسفر عن أسرع معدلات المجاعة بسبب الحروب، وأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف، ومستويات غير مسبوقة من الدمار.
وصرح عبد الله الثاني بأن الحكومة الصهيونية قتلت في هذه الحرب أطفالا وصحفيين وعمال إغاثة إنسانية وطواقم طبية أكثر من أي حرب في التاريخ الحديث.
وتابع قائلا: "علينا ألا ننسى الهجمات على الضفة الغربية، فمنذ 7 أكتوبر قتلت الحكومة الصهيونية أكثر من 700 فلسطيني منهم 160 طفلا، وتجاوز عدد الفلسطينيين المحتجزين في مراكز الاعتقال الإسرائيلية 10 آلاف و700 معتقل، منهم 400 امرأة و730 طفلا وتم تهجير أكثر من 4 آلاف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، كما تصاعد العنف المسلح الذي يمارسه المستوطنون بشكل كبير، وتم تهجير قرى بأكملها".
وذكر أنه الانتهاكات الصارخة للوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس مستمرة لا تزال بلا توقف بحماية وتشجيع أعضاء في الحكومة الصهيونية.
ومضى الملك قائلا: "استشهد نحو 42 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر في غزة والضفة الغربية.. هل من الغريب أن يتساءل كثيرون: كيف يمكن لهذه الحرب ألا تعد استهدافا متعمدا للفلسطينيين؟ لا يمكن تبرير هذا المستوى من المعاناة الإنسانية الكبيرة للمدنيين، كضرر جانبي لا يمكن تجنبه".
وأردف بالقول "لقد نشأت جنديا في منطقة أصبحت فيها الصراعات أمرا مألوفا، ولكن ما من شيء مألوف في هذه الحرب وهذا العنف الذي بدأ منذ 7 أكتوبر، وفي ظل غياب المساءلة الدولية تصبح هذه الفظائع أمرا معتادا، الأمر الذي يهدد بمستقبل يسمح فيه ارتكاب مختلف الجرائم في أي مكان في العالم.. هل هذا ما نريده؟".
وشدد الملك على ضرورة ضمان حماية الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الواجب الأخلاقي يحتم على المجتمع الدولي أن يتبنى آلية لحمايتهم في جميع الأراضي المحتلة، ومن شأن ذلك توفير الحماية للفلسطينيين من المتطرفين الذين يدفعون بمنطقتنا إلى حافة حرب شاملة.
وذكر أن ذلك يشمل المتطرفين الذين يروجون باستمرار لفكرة الأردن كوطن بديل، متابعا بالقول: "لذا دعوني أكون واضحا تماما هذا لن يحدث أبدا.. ولن نقبل أبدا بالتهجير القسري للفلسطينيين، فهو جريمة حرب".
وأكد العاهل الأردني أن التصعيد ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية ويجب أن يتوقف هذا التصعيد.
وأردف قائلا: "لسنوات، مد العالم العربي يده للكيان الصهيوني عبر مبادرة السلام العربية مستعدا للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اختارت المواجهة ورفضت السلام نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها، وفي غياب الرادع، ازدادت هذه الحصانة شيئا فشيئا".
وأوضح أن الفلسطينيين تحمل أكثر من 75 عاما من الاحتلال والظلم والاضطهاد وخلال هذه السنوات سمح للحكومة الصهيونية بأن تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر، لكن الآن غدت حصانة الكيان التي امتدت لعقود أسوأ عدو لها، وباتت العواقب واضحة في كل مكان فقد تم اتهام هذه الحكومة الصهيونية في محكمة العدل الدولية، بارتكاب الإبادة الجماعية، وتتردد أصداء الغضب تجاه الإجراءات الصهيونية حول العالم، كما شهدت المدن في كل مكان احتجاجات حاشدة، وارتفعت الأصوات المطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل.
وأفاد في كلمته بأن وحشية الحرب على غزة أجبرت العالم على النظر عن كثب ورؤية الحقيقة، والآن بات كثيرون ينظرون إلى الكيان الصهيوني بعيون ضحاياها وبات التناقض بين تلك الصورتين واضحا بشدة لا يمكن التغاضي عنها فلا يمكن للكيان الصهيوني الحديث والمتطور الذي نال إعجاب الكثيرين أن تتعايش مع الكيان الصهيوني الذي يعرفه الفلسطينيون، فلا بد أن يصبح الكيان بنهاية المطاف إحدى هاتين الصورتين بشكل كلي.
وشدد العاهل الأردني على أن العالم يراقبنا وأن التاريخ سيحكم على مدى شجاعتنا ولن يحاسبنا المستقبل فقط بل شعوب هذا الزمن أيضا، وسيحكمون علينا كأمم متحدة إن اخترنا أن نستسلم للتقاعس أو قررنا أن نقاتل من أجل الحفاظ على المبادئ التي تستند إليها هذه المنظمة ويستند إليها عالمنا.
وأضاف في كلمته: "خلال ربع القرن الماضي لطالما وقفت على هذا المنبر والصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية، والأزمات الإنسانية تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره".
وأضاف "غالبا لم تمر لحظة على عالمنا دون اضطرابات، إلا أنني لا أذكر وقتا أخطر مما نمر به الآن".
وتابع الملك قائلا: "تواجه أممنا المتحدة أزمة تضرب في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية".
وصرح بأن الأمم المتحدة تتعرض للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضا.
وأردف قائلا: "منذ قرابة العام وعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي، وتقف شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينيين يتضورون جوعا، كما يتم استهداف ومهاجمة عمال الإغاثة الإنسانية الذين يحملون شعار هذه المؤسسة بكل فخر، ويتم تحدي قرارات محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وتجاهل آرائها، لذلك، فإنه لا عجب أن الثقة بالمبادئ والقيم الأساسية للأمم المتحدة قد بدأت بالانهيار، سواء داخل هذه القاعة أو خارجها، فالواقع الأليم الذي يتجلى أمام الكثيرين هو أن بعض الشعوب هي فعليا فوق القانون الدولي وأن العدالة الدولية تنصاع للقوة وأن حقوق الإنسان انتقائية فهي امتياز يمنح للبعض ويحرم البعض الآخر منه حسب الأهواء.
المصدر: بترا