يجدر التنويه بأن اطلاعنا على هذه الوثائق تم بفضل الجهود التي يبذلها برتراند فيسار دو فوكولت المعروف بولد كيجه
بعد الافراج في فرنسا عن التقارير الدبلوماسية التي كانت السفارة الفرنسية في نواكشوط، ترفعها أسبوعيا إلى سلطات بلادها، أصبح بالإمكان الاطلاع على الكثير من تفاصيل مرحلة تأسيس الدولة الموريتانية من وجهة النظر الفرنسية. وسعيا لإشراك قرائنا فيما تضمنته تلك الوثائق، ننشر على حلقات ترجمة لأهم ما حوته تلك التقارير.
الحلقة الأولى: التقرير الأسبوعي رقم: 104
الأسبوع من 25 إلى 30 سبتمبر 1961 (سري)
أدى رئيس الجمهورية الجديد يوم الاثنين الماضي، اليمين الدستورية أمام الجمعية الوطنية الملتئمة في دورة استثنائية. وبالرغم من أنه عبر عن رغبته في أن يتم حفل أداء اليمين من دون أية احتفالات خاصة، إلا أن جمهورا معتبرا قد حضره، مشكلا بالأساس من النواب وأعضاء الحكومة وعمال الوزارات وأغلبية الموظفين في نواكشوط.
وقد اكتفى الأستاذ المختار ولد داداه بقراءة اليمين المنصوص عليها في القانون: “أقسم بالله الواحد أن أخدم بنزاهة الجمهورية الاسلامية الموريتانية ومصالح الشعب الموريتاني وأن أحترم الدستور وأحافظ على الحوزة الترابية”. وقد أخذ رئيس الجمعية الوطنية علما باليمين وألقى خطابا مطولا تعرض فيه للمكاسب التي تحققت في مجال البناء الوطني وطمأن رئيس الجمهورية الجديد على “ثقة الشعب الموريتاني والدعم الكامل من طرف ممثليه في الجمعية الوطنية”.
وبعد تنصيبه طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون، باشر الرئيس المختار ولد داداه ممارسة مهامه، مستهلا بالمشكلة الأكثر إلحاحا المتعلقة بتشكيل حكومته.
وفي يوم الثلاثاء 27 استدعى مجموعة من الوزراء الواحد بعد الآخر: أحمد سالم ولد هيبه وزير الاقتصاد الريفي، سيد احمد لحبيب وزير الوظيفة العمومية والشغل، آمادو جاجي صامبا ديوم وزير الأشغال العمومية والنقل والبريد والمواصلات، شيخنا ولد محمد لقظف وزير العدل والتشريع، وأطلعهم على رغبته في إجراء تعديل حكومي وعلى قراره بعدم الاحتفاظ بهم ضمن حكومته.
ينضاف إلى هؤلاء وزير المالية “كومبانيي” المستقيل منذ 21 أغشت، لنكون أمام خمسة وزراء فقدوا وظائفهم لأسباب مختلفة (من بينها “طيش الشباب” ومتطلبات التوازنات المحلية بالنسبة للبعض والتقدم في العمر وضعف الكفاءة بالنسبة للبعض الآخر …)
وقد شاع في نواكشوط مساء الثلاثاء، أن التعديل الوزاري قد انتهى وأطلع الوزراء الجدد على تعيينهم يوم الخميس. وفي يوم الجمعة أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم: 10.342 المتضمن تعين أعضاء الحكومة على النحو التالي:
- رئيس الجمهورية وزير الشؤون الخارجية والدفاع الوطني: المختار ولد داداه؛
- وزير التخطيط: محمد المختار معروف؛
- وزير الاقتصاد الريفي والتعاون: الداه ولد سيدي هيبه؛
- وزير البناء: أحمد ولد محمد صالح؛
- وزير التهذيب والشباب: اب ولد ان
- وزير الصحة والشغل والشؤون الاجتماعية: با بوكار آلفا؛
- وزير الداخلية: سيدي محمد الديين؛
- حافظ الأختام وزير العدل: الحضرامي ولد خطري؛
- وزير الاعلام والوظيفة العمومية: الدي ولد ابراهيم؛
- وزير النقل والبريد والمواصلات: بوياغي ولد عابدين.
ونلاحظ من خلال هذه التشكيلة الحكومية الجديدة، أن رئيس الجمهورية احتفظ لنفسه بالمناصب الهامة للشؤون الخارجية والدفاع كما نص على ذلك الدستور، كما نلاحظ أنه بالرغم من أن عدد الوزراء بقي كما هو فإن هذا التعديل قد أفضى في الواقع إلى إعادة تنظيم فعلية للحكومة. حيث أن وزارة المالية القديمة توسعت لتشمل مصالح العقارات والتسجيل التي كانت تابعة للتخطيط. أما قطاع التخطيط فقد تشكل من دمج وزارة التخطيط السابقة ووزارة التجارة والصناعة والمعادن. وقد أضيف التعاون لوزارة الاقتصاد الريفي وهو على الأرجح تعبير يعني نشاط التعاونيات.
وقد تم فصل وزارات الداخلية والتهذيب والشباب والرياضة وانقسمت وزارة الأشغال العامة والنقل والبريد والمواصلات إلى وزارتين، وأضيف الشغل إلى وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية. وأخيرا ألحقت إدارة الاعلام –التي كانت تابعة لرئاسة الحكومة- بإدارة الوظيفة العمومية لتتشكل وزارة الاعلام والوظيفة العمومية.
وفضلا عن تشكيل الحكومة ذاتها، فإن شخصيات الوزراء تستدعي التعليق. وإذا كان 3 وزراء سابقين قد ظلوا في أماكنهم، فإن سبعة أعضاء جدد قد أصبحوا يتولون مسؤوليات حكومية:
1- اب ولد ان: الوزير الجديد للتهذيب والشباب، عمره 44 سنة ينحدر من ولاته بالحوض. مستشار إقليمي سنة 1952 ومنذ 1957 أصبح نائبا في الجمعية وينتمي للفريق السياسي لحزب التجديد الموريتاني (P.R.M)، حيث يخوض كفاحا ضد تغلغل المنحدرين من اترارزه. مؤخرا أعلن معارضته للدستور الجديد خلال نقاشات اللجنة غير أنه في النهاية صوت لصالحه. استاذ للغة العربية شارك في تدريب القضاة في تونس وعند عودته خاض حملة نشطة من أجل أن لا يتم الاعتراف بالفرنسية كلغة رسمية في الجمهورية الاسلامية الموريتانية ومن أجل أن لا تظهر بالتساوي مع اللغة العربية في البرامج التعليمية. تعيينه إذا في منصب وزير التهذيب والشباب يمكن أن يشكل خطرا على التأثير الثقافي الفرنسي.
2- بالرغم من انتمائه لفريق حزب التجديد، فإن الوزير الجديد للاقتصاد الريفي والتعاون الداه ولد سيدي هيبه، يعتبر أحد معارضي الحكومة السابقة. ولد سنة 1926 في لعكيلات بكوركول، يمثل عنصر البيظان ومعروف بأنه تقليدي إلى أبعد الحدود. تخرج من مدرسة وليام بونتي وعمل في الادارة خلال فترة الحكم الفرنسية وكان يتوقع خلال سنة 1959 أن تسند له حقيبة وزارة الداخلية.
3- الحضرامي ولد خطري وزير العدل الجديد هو رئيس سابق لحزب الوحدة الوطنية الموريتانية، من مواليد تكانت سنة 1928، ينحدر من قبيلة إيدوعل تيجكجة. عمل كاتبا إداريا خلال مرحلة الادارة الفرنسية ثم سكرتيرا لحرمة ولد ببانه، قبل أن يصبح سنة 1958 رئيسا لحزب الوحدة الوطنية الموريتانية. في الوقت الحالي يدعو لإلحاق الحوض بمالي وقد كلفته نشاطاته المتعلقة بذلك الوضع تحت الاقامة الجبرية في فبراير 1960، قبل أن يتم استدعاؤه بهدف التهدئة ويتم تعيينه في يوليو 1961 أمينا عاما للشؤون الخارجية. وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى هذا التعديل الوزاري.
4- ينتمي وزير الصحة الجديد با بوكار آلفا هو الآخر لحزب الوحدة الوطنية الموريتانية، ينحدر من الضفة ولديه تأثير قوي في كوركول نظرا لانتمائه لأسرة “باه” العريقة التي كانت حاكمة في وقت سابق، منافس تقليدي لبا صامبولي وزير المالية. ينهي حاليا دراساته الطبية في بوردو.
5- بوياغي ولد عابدين الوزير الجديد للنقل، من مواليد سنة 1919 في تمبدغة، عمل طويلا في البريد والمواصلات. داعم متحمس لحرمة ولد ببانة، أصبح سنة 1958 أمينا عاما للنهضة ووضع في سبتمبر 1960 تحت الاقامة في تيشيت خلال حل حزبه وتم إطلاق سراحه في فبراير 1961 ومنذ ذلك التاريخ وهو يضاعف من تصريحاته المؤيدة للحكومة وكان من ضمن الداعين لطاولة المستديرة. ورغم أن المنصب الوزاري الذي أسند له ليس من بين أهم الوزارات، إلا أن تعينه يؤكد مشاركة النهضة في المسؤوليات الحكومية.
أما باقي الوزراء فهم إداريون شباب، أنهوا دراساتهم سنة 1959، ويتعلق الأمر بكل من:
- الدي ولد ابراهيم: عمره 29 سنة وقد أدار لفترة طويلة دائرة أكجوجت، ابن أخت أمير تكانت وتم تعيينه نتيجة تعهد من طرف الرئيس المختار لخاله من أجل تهدئة الاستياء المتصاعد في تلك الولاية منذ عدة أشهر. وهو أيضا صهر رئيس الجمعية الوطنية حمود ولد أحمدو الذي يحظى بتأثير كبير عليه.
- ينحدر أحمد ولد محمد صالح من قبيلة أقلال شنقيطي وقد عمل طويلا مسؤول مكتب وزير الاقتصاد الريفي ثم ترك مهامه لإكمال تدريب قبل أن يعين على دائرة تكانت.
لم يمر تعيين الوزراء الموريتانيين الجدد من دون إثارة حالة غليان في الرأي العام. وعلى العموم فإن من ليسوا أقرباء الوزراء المقالين ولم تكن لديهم مطامح في الحكومة الجديدة، يعلنون رضاهم عن التعديل الوزاري، باعتبار أن طابعه الرئيسي هو إبعاد من تقدموا في السن وتعيين شبان محلهم بعضهم ليس لديه ماض سياسي. والواقع أن خمسة من بين الوزراء السبعة الجدد لم يبلغوا بعد 35 سنة وأن أكبر الوزراء سنا هو اب ولد ان الذي لم يتجاوز 40 سنة. وهم يعتقدون أيضا أن المختار ولد داداه قد تعامل بذكاء مع تشكيلته الجديدة، حيث أخذ في الاعتبارات الانتقادات الموجهة لحكومته السابقة بخصوص هيمنة المنحدرين من الترارزة عليها بالمقارنة مع الولايات الأخرى والمنتسبين لحزب التجديد بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى.
بالنسبة لهم تبدو التوزيعة الجديدة للمناصب، قد ضمنت التمثيل السليم لمختلف الاتجاهات السياسية والخصوصيات الجغرافية، وهو ما يعني بالنسبة لهم أن سياسة “الوحدة الوطنية” التي يدعو لها رئيس الدولة لديها كل حظوظ النجاح. والواقع أن اربعة نواب من حزب التجديد ضمتهم التشكيلة الجديدة، بالإضافة إلى اثنين من حزب الوحدة الوطنية وواحد من الاتحاد الاشتراكي لمسلمي موريتانيا، أما الباقون فهم شباب ليست لديهم انتماءات معروفة.
ومن جانب آخر فقد اقتصر تمثيل الترارزة على الديين ومثلت لبراكنه من طرف محمد المختار معروف، أما تكانت فقد مثلها كل من الحضرامي ولد خطري والدي ولد ابراهيم والحوض الشرقي بكل من اب ولد ان وبوياغي، فيما مثلت منطقة النهر ب با صامبولي، الداه ولد سيدي هيبه، با بوكار آلفا حيث ينتمي كل منهم لاتجاه معين.
ومع ذلك فلم يكن الجميع راضين عن التشكيلة الحكومية الجديدة، ذلك أن بعض أعضاء أحزاب المعارضة وبعض الموظفين السامين كانوا يأملون في الحصول على منصب. فقد احتج بشدة الأمين العام لحزب الوحدة الوطنية الموريتانية مدير الاعلام، يعقوب ولد أبو مدينة، ضد “الطابع الدكتاتوري” لهذا القرار المتخذ –بحسب رأيه- في تناقض مع قرارات الطاولة المستديرة التي يعتبر أنها اقترحته بالإضافة إلى نائب سيليبابي كان يحي والدكتور صال. وأعلن يعقوب أن حزب الوحدة الوطنية الموريتانية لم يمثل في هذه التشكيلة لأن الحضرامي ولد خطري كان قد عزل منه مؤخرا وهو ما لم نكن على علم به، معتبرا أنه في ظل هذه الظروف لا يمكنه الحفاظ مع الحكومة على الوحدة السياسية التي سبق واتخذ بها قرار، وقدم صبيحة الخميس استقالته من الادارة العامة للإعلام التي ظل يشغلها منذ نوفمبر 1960 للتأكيد على إرادته في عدم التعاون.
ومن جهتهما عبر كل من أحمد ولد ابا المفتش العام للإدارة وعبد الله ولد الحسن –المعين منذ 8 أيام سفيرا متجولا- عن استيائهما من عدم تعيينهما، غير أنهما عبرا عن ذلك بطريقة أقل استعراضية. كما شعر نواب حزب التجديد بالاستياء من الاقصاء الذي تعرض له زملاؤهم وبدأوا يعيدون التفكير في أنهم حين صوتوا على الدستور لم يكونوا يسدون خدمة لمصالحهم الشخصية ولا لمصالح حزبهم. فبحسب معلومات لم يتسنى بعد التأكد منها، فإن رئيس الجمعية الوطنية حمود ولد احمدو –الذي كان قد أكد للرئيس المختار يوم الاثنين دعمه ودعم جمعيته الوطنية- اتصل برئيس الجمهورية يوم الخميس ليطلعه على عدم موافقته التامة على التعديل الوزاري الذي تم دون أخذ رأي النواب وليخبره بأنه قرر “استعادة حريته السياسية”.
وبحسب ما قيل، فإنه اشفع حديثه الهاتفي برسالة مكتوبة بمشاركة وزير العدل السابق شيخنا ولد محمد لقظف، يعرب فيها عن نيته استدعاء الجمعية الوطنية في دورة طارئة من أجل طلب مراجعة الدستور وأن استياء النواب سيمكنه من الحصول على أغلبية الثلث المنصوص عليها في المادة 54 من الدستور، مضيفا بأن هناك وزراء من ضمن التشكيلة الجديدة –من بينهم صهره الدي ولد ابراهيم- مستعدون لتقديم استقالتهم من أجل إحراج الرئيس.
وأخيرا فقد عبرت بعض الأوساط التقليدية عن استيائها من عدم تمثيلها في الحكومة في حين مثلت أوساط أخرى كما هي حال إمارة تكانت وأسرة با الملكية في كيهيدي. ذلك على الأقل هو الرأي المعلن باسم سكان آدرار من طرف أحمد ولد كركوب الممثل للمصالح الشخصية لأهل آدرار ورئيس الاتحاد الاشتراكي لمسلمي موريتانيا والذي هو ايضا قلق من التقسيم الذي حصل لدائرة آدرار يوم 21 سبتمبر ومن تلبية مطالب اركيبات. وهو أيضا الرأي الذي عبر عنه القائد العام لأهل سيدي محمود الذي يأخذ على الحكومة عدم اختيار ابنه اشريف ولد أحمد محمود، كما هو رأي أمير الترارزة –المرتبط بقرابة مع يعقوب ولد ابومدينة- والذي يأسف لأن المذرذرة لم تحظ بأي وزير.
كل هذا الاستياء المعبر عنه من طرف اتجاهات مختلفة، لديه مصدر واحد: المصلحة الشخصية أو الأسرية أو القبلية وبإمكان الرئيس الجديد للجمهورية أن يعالج جميع الجراح الناجمة عنه من خلال توزيع بعض المناصب الادارية والدبلوماسية. إنها ردود أفعال بشرية في مواجهة قرار مفاجئ، قد لا تخلف أثرا، لكنها قد تفضي إلى تشكيل معارضة للحكومة تتجمع حول شخصية محورية مثل سيدي المختار أو بإمكانها أن تتسبب في تشكيل أحزاب معارضة ذات اتجاهات مختلفة، لكن الوقت ما يزال مبكرا لإجراء توقعات بشأنها.
صحفى للانباء