(أول من أطلق عبارة "من لا يملك لمن لا يستحق " في وصف وعد بلفور كمال الدين حسين في كتاب التربية الوطنية في مرحلة الاعدادي في بداية الستينيات..كان كمال الدين حسين أحد رجال ثورة يوليو - آنذاك وزير التربية والتعليم)
101 سنة على وعد بلفور المشؤوم..وعد من لا يملك لمن لا يستحق
(أ.د.حنا عيسى)
(وعد بلفور رسالة لا تزيد عدد كلماتها عن 130 ، بعثها بلفور إلى اللورد البريطاني اليهودي يونيل روتشيلد ، ويقول فيها إن حكومة بلاده تؤيد منح اليهود وطنا في فلسطين ، قبيل أن تخضع الأخيرة للاحتلال البريطاني ، ولم يكن سكان فلسطين من اليهود حينها يزيدون عن 5 %)
منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقرا وجوعا وإتعاسا وإفسادا
بفضلكم قد طغى طوفان هجرتهم وكان وعدا تلقيناه إيعادا (ابراهيم طوقان )
وخطيبكم كالديك في فلق الصباح إذا تبدى .. شفتاه تصطرعان بالأقوال فهو يسوق عردا
وضميره ميت فليس يهزه شعب تردى( حسن البحيري)
وعد بلفور كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
في 18 تموز 1917م قدم اللورد روتشيلد الي بلفور مشروع قرار يقضي باعتراف بريطانيا بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي، وحقه في صيانة القومية اليهودية في بلده والهجرة اليها واقامة حكم قومي لليهود فيها واقامة شركة استيطان يهودية قومية لاعادة، تأسيس فلسطين وتطورها. وهنا اظهر بعض زعماء اليهود معارضة لانشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وقالوا ان اليهودية ليست امة، وكان ادوين مونتاغو على رأس المعارضين، وكان ادوين هذا حاكمآ للهند وعضوآ في مجلس الحرب البريطاني، وفي ايار 1917م كان دايفد الكسندر رئيس لجنة المبعوثين اليهودية البريطانية وكلود مونتفيوري رئيس الجمعية البريطانية اليهودية، قد اصدر بيانآ عارض قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، وعارض الصهيونية وخلق قومية يهودية علمانية لانها خطر على اليهود، لكنهما وتحت ضغط المنظمة الصهيونية اقيلا من منصبيهما.
وفي 3ايلول 1917م قررت الحكومة البريطانية الموافقة مبدئيآ على اصدارتصريح منها يؤيد طلب الصهاينة، شريطة أن ينص على اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بدلآ من اعتبار فلسطين وطنآ قوميآ لليهود، وأن ينص على عدم المساس بحقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين. وفي 3 تشرين اول 1917م قدم الدكتورحاييم وايزمن وروتشيلد مذكرة جديدة للحكومة البريطانية، وابرقا الى برانديس في الولايات المتحدة الاميريكية، يحثانه على العمل لاصدار بيان من الرئيس الامريكي ولسن يؤيد اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي نهاية شهر تشرين اول 1917م، أصدر الرئيس الأمريكي تصريحآ قال فيه أنه يؤيد اقامة (كومنولث يهودي في فلسطين).
وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.
وفي 31 تشرين اول 1917 م اقرت الحكومة البريطانية موقفها النهائي من طلبات الصهاينة في جلسة خاصة عقدت لهذا الموضوع، وفي 2 تشرين ثاني 1917م أصدر وزير الخارجية البريطاني (بلفور) تصريحآ على شكل رسالة وجهها الى اللورد روتشيلد، عرف هذا التصريح فيما بعد (بوعد بلفور)، وجاء فيه (أن حكومة جلالته تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين على ان يفهم بجلاء بانة لا يؤتى امرمن شأنه ان يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين او بالحقوق والاوضاع التي يتمتع بها اليهود في اية بلاد اخرى).
حين صدر الوعد كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان. وقد أرسلت الرسالة قبل أن يحتل الجيش البريطانى فلسطين.
في المقابل اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور، حيث أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.
أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
من جهتها اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين
ملاحظات على الوعد
صيغة الوعد واضحة تماماً هنا إذ تُوجَد هيئة حكومية (حكومة جلالـة الملك) تؤكد أنها تنظر بعين العطف إلى إنشـاء وطن قومي سيضم "الشعب اليهودي"، أي أنه اعترف باليهود لا كلاجئين أو مضطهدين مساكين، كما أن الهدف من الوعد ليس هدفاً خيرياً ولكنه هدف سياسي (استعماري). كما أن هذه الحكومة التي أصدرت الوعد لن تكتفي بالأمنيات وإنما سوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. هذا هو الجوهر الواضح للوعد.
ثم تبدأ بعد ذلك الديباجات التي تهدف إلى التغطية، فالوعد لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا بمصالح الجماعات اليهودية التي لا تود المساهمة في المشروع الصهيوني، بل تود الاستمرار في التمتع بما حققته من اندماج وحراك اجتماعي. وسنلاحظ أن الديباجات تتسم بكثير من الغموض إذ أن الوعد لم يتحدث عن كيفية ضمان هذه الحقوق.
وثيقة وعد بلفور
النسخة الاصلية الموجهة للحركة الصهيونية
وزارة الخارجية البريطانية
2 نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح.
المخلص
ارثر بلفور