ملاحظات الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا على العملية الانتخابية (سبتمبر 2018)

خميس, 04/10/2018 - 13:02

يسر الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا  UPPIM أن يضع بين يدي الجهات المعنية بالعملية الانتخابية في بلدنا ملاحظاته على الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية التي جرت خلال سبتمبر  2018  في شوطيها الأول والثاني، وهي ملاحظات سريعة تأتي ضمن دور المنظمات الصحفية المهنية الرقابي على أداء السلطات المختلفة ضمانا لشفافية ادائها وللاستفادة من التجارب التي يجري تقييمها.

ويقدم الاتحاد المهني ملاحظاته هذه بدءا من عملية التسجيل على اللائحة الانتخابية مرورا بانتقاء وتكوين طواقم اللجنة المستقلة للانتخابات وتعريجا على الحملة الانتخابية وانتهاء بالاقتراع ثم إعلان النتائج

لقد قام فريق من المكتب التنفيذي للاتحاد بعملية متابعة وتقييم لمجمل هذه العملية منذ بداية التسجيل على اللائحة الانتخابية وحتى إعلان النتائج وخرج بالملاحظات التالية:

التسجيل على اللائحة الانتخابية الجديدة:

تم إلغاء اللائحة الانتخابية القديمة بشكل كامل وفتح مجال محدود جدا للتسجيل على اللائحة الجديدة أمام المواطنين وهي فترة زمنية أبدى بعض الفرقاء عدم رضاهم عنها لأنها لم تتح لجميع الراغبين في التسجيل إدراج أسمائهم في هذه اللائحة الجديدة حيث تعذر على الكثيرين التسجيل لأسباب مختلفة وموضوعية وطالب أغلب هؤلاء الفرقاء السياسيين بإعادة فتح المجال للمواطنين للتسجيل على اللائحة الانتخابية بفترة كافية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كما لاحظ الاتحاد جلب مواطنين من مناطقهم التي يقيمون فيها ويعملون بها ويرتبطون بها إلى مناطق أخرى أغلبهم يراها لأول مرة بغية دعم مرشحين في هذه الدوائر الانتخابية وهو ما غير موازين وأثر على إرادة ساكنة تلك الدوائر ورغبتهم في اختيار مرشحيهم بأنفسهم والأمثلة أكثر من أن تحصى سواء في نواكشوط او نواذيبو او ولايات داخلية عديدة ومن الأمثلة الحية على ذلك تسجيل وتصويت مواطنين من غابو وكوراي وسيليبابي وباسكنو في مدن شمال البلاد لدعم مرشحين بعينهم وكذلك جلب مئات المواطنين من نواذيبو ونواكشوط الى مناطق بين ولايتي كوركول وكيدي ماغه لا صلة لهم بها وذلك للتأثير على ارادة الناخبين المحليين، وهو ما حصل في مناطق عديدة من البلاد.

إن هذه الظاهرة أثرت كثيرا على إرادة الناخبين المعنيين باختيار ممثليهم الذين سيدافعون عن مصالحهم بينما تسلم الوافدون للتصويت فقط تعويضات مالية مقابل تسجيلهم وتصويتهم في مناطق لا يعرفونها وغادروا كما جاؤوا وربما إلى الأبد، وهو ما يستدعي منع تكرار هذه الظاهرة مستقبلا حفاظا على ارادة الناخبين.

انتقاء وتكوين طواقم المستقلة للانتخابات

تم خلال عملية انتقاء طواقم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات إقصاء مئات المواطنين الذين يتمتعون بتجارب طويلة في الميدان واستبدالهم بآخرين ليست لديهم تجارب سابقة ولم تحظ عناصر الطواقم الجديدة بفترة تكوين تسمح لهم بمواكبة خمس انتخابات في انتخاب واحد وهو ما ضاعف الأخطاء والهفوات حيث حظي هؤلاء بدورة تكوينية مدتها 45 دقيقة فقط.

الحملة الانتخابية

شهدت الحملة الانتخابية خلال أسبوعين متتالين الكثير من الثغرات التي من الضروري تجاوزها مستقبلا ومنها:

ضرورة حياد السلطة التنفيذية وعدم استغلال النفوذ للتأثير على إرادة الناخبين بالتهديد والإغراء وغيرها من الأساليب حيث كان لحضور رئيس الجمهورية وقبله وبعده أغلب أعضاء الحكومة أثرا سلبيا على المشهد الانتخابي وأساء بشكل أو بآخر إلى نزاهة الإدارة وحيادها.

كما شهدت الحملة الانتخابية تحييد الكثير من المواطنين من خلال شراء بطاقات تعريفهم حتى نهاية الاقتراع مقابل مبالغ محددة وذلك لمنعهم من التصويت للوائح ومرشحين في العديد من مناطق البلاد وربما يفسر ذلك تراجع نسبة المشاركة قياسا بعدد المسجلين على اللائحة الانتخابية.

 إلى جانب ما سبق تم استغلال واستخدام مصطلحات قبلية وجهوية وفئوية  بشكل أو بآخر والعودة للأطر التقليدية للتأثير على الناخبين من جهة وللتقرب للسلطة او لمرشح بعينه وهو أمر لا يخدم الصورة التي نتطلع إليها لموريتانيا الجديدة دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية التعددية في الألفية الميلادية الثالثة.

التغطية الإعلامية

استفادت أغلب اللوائح والأحزاب المتنافسة من حصص مجانية في وسائل الإعلام العمومية بما مكنها من الترويج لمرشحيها بالدرجة الأولى ولبرامجها أيضا، غير أنه لم يتم توزيع الإعلانات المعوضة على وسائل الإعلام الخصوصية بشكل متوازن وعادل خاصة وأن هناك وسائل إعلام مستقلة ذات مصداقية عالية وولوج جماهيري واسع لم تحظ بإعلانات معوضة خلال هذه الحملة رغم أهمية ذلك في العملية الانتخابية بالنسبة للمرشحين من جهة ولوسائل الإعلام من جهة أخرى حيث تم ما يشبه مركزة الإعلانات المعوضة لفائدة وسائل إعلام محدودة وعلى أسس غير مفهومة حتى لا نقول إنها انتقائية وهو ما يجعلنا نطالب الجهات المعنية بالإعلام في اللجنة المستقلة للانتخابات والأحزاب المتنافسة بوضع خطة مستقبلية تتفادى مثل هذه الثغرات

وفيما يتعلق بالتنسيق والتعاون بين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والصحافة المهنية في مجال التحسيس والرقابة والمتابعة والتقييم، فإنه يمكننا الجزم بأن ما تم في هذا المجال لم يتم على أسس موضوعية ولا مهنية ولا يخدم التعددية بل تم بصورة انتقائية وخاصة في مجال التعاون بين اللجنة المعنية والمنظمات الصحفية خصوصا تلك المنظمات العريقة التي تتمتع بتجارب تراكمية في مجال رقابة ومتابعة وتقييم العملية الانتخابية منذ بداياتها في بلدنا، لذلك عملت بعض المنظمات وبعض الصحفيين المهنيين دون أي تنسيق مع اللجنة اعتمادا على تجاربهم وسمعتهم ومهنيتهم وهو أمر يستدعي من اللجنة  إعادة النظر في هذه الاستراتيجية الخاطئة التي تسيء إليها وإلى مصداقيتها بشكل كبير.

الاقتراع في الشوطين

رغم أن التسجيل على اللوائح الانتخابية لم يتم في كثير من المناطق على أساس الإقامة في الدوائر الانتخابية والارتباط بها إلا أن تأثير ذلك على نتائج الانتخابات يبقى محدودا في عدة مناطق وإن كان مؤثرا في مناطق أخرى، بينما تبقى أخطاء أخرى بلا تفسير مثل منع ذوي الإعاقة البصرية من التصويت في العديد من مكاتب الاقتراع وتحويل أسماء الناخبين من مكاتب إلى مكاتب أخرى ونقل بعض الصناديق إلى منازل مأهولة بسبب الأمطار التي غمرت بعض مكاتب التصويت، وكذلك الحديث عن تزوير بعض المحاضر وحرمان سكان بعض المناطق من التصويت لعدم تمكن اللجنة من إيصال صناديق الاقتراع في وقتها مثل بعض مكاتب آكوينيت في الحوض الشرقي ورداءة الظروف التي تم فيها نقل العديد من الصناديق بعد نهاية الاقتراع، حيث تم نقل بعضها على عربات تجرها الحمير أو عبر سيارات أجرة إلى بعض عواصم المقاطعات ونحو ذلك ثم الحديث عن حالات تزوير لبطاقات الناخبين والتصويت بدون بطاقة تعريف في مناطق أخرى وتمكين مواطنين من التصويت أكثر من مرة نيابة عن آخرين لم يصوتوا كل ذلك يسيء إلى نزاهة العملية الانتخابية فضلا عن طرد ممثلي بعض الأحزاب واللوائح من مكاتب التصويت

كما أن تأثير المال السياسي كان قويا خصوصا وأن العديد من المتنافسين استخدموا سلاح المال للتأثير على قناعات وخيارات الناخبين في عدة مناطق تحت إلحاح الحاجة والفقر

إعلان النتائج

شهدت عمليات الفرز وإعلان نتائج الانتخابات وخاصة في شوطها الأول تعقيدات كثيرة لسبب موضوعي وهو كثرة اللوائح المتنافسة وتشعبها وتقارب أسماء الأحزاب حد التطابق أحيانا وحجم الضغط على اللجنة المستقلة للانتخابات من اللوائح المتنافسة ومن السلطات ومختلف الجهات المعنية بالعملية الانتخابية.

إلا أن العملية لم تسلم من التشكيك في تزوير النتائج أحيانا واتهام اللجنة المعنية بذلك مباشرة من طرف بعض المترشحين.

كما شابت العملية شكوك كثيرة حيث يفوز رأس لائحة اليوم ثم يأتي غيره ليحل محله غدا ثم إن الكثير من المحاضر اليدوية "ضاعت" أو "لم تصل نتائجها إلا عبر الهاتف" وهي أمور لا تخدم شفافية عمل اللجنة ومصداقيتها، كل ذلك يستدعي من هذه الاخيرة توخي الحذر مستقبلا وعدم إعلان نتائج غير مكتملة حيث تجد لدى لائحة او حزب محاضر مغايرة من حيث النتائج لتلك النتائج الموجودة لدى اللجنة وهو ما يثير الريبة في أدائها لدى هؤلاء المرشحين.

السهرة الانتخابية

يتيح تنظيم السهرة الانتخابية فرصة نادرة وذات دلالات بالغة لتلاقي وتواصل رؤساء الأحزاب والمتنافسين عموما على مائدة السهرة التي دأبت وزارة الداخلية على تنظيمها لفائدة الفاعلين في المشهد السياسي والإعلامي والمجتمعي بغية المشاركة في تلقي النتائج أولا بأول وإعلانها

هذه الفرصة لم تتمكن اللجنة لأسباب ربما موضوعية، من استغلالها، حيث نظمت الاحزاب السياسية سهرات انتخابية منفردة في مشهد غير ودي كما غابت المنظمات الصحفية المهنية عن سهرة اللجنة المستقلة باستثناء قلة من معارف وأصدقاء بعض أعضائها

إن جمع كافة فاعلي المشهد الوطني على مائدة واحدة عقب تنافس سياسي قوي يتيح المجال لإذابة الجليد والتعاطي الايجابي بين الفرقاء السياسيين وهو أمر نتطلع إلى أن تبادر إليه اللجنة في الاستحقاقات القادمة بحول الله، كما يتيح للصحافة والمجتمع المدني تسجيل الملاحظات والانطباعات عن قرب وتقييم المشهد الانتخابي بشكل أفضل.

كان ذلك جزء يسير من بعض الملاحظات التي خرج بها فريق الاتحاد المهني لمراقبة ومتابعة وتقييم انتخابات سبتمبر 2018 في شوطيها الأول والثاني. وهي ملاحظات نسعى من وراء تقديمها ونشرها إلى تفادي تكرار أبرز الأخطاء المؤثرة التي عرفتها هذه العملية الانتخابية المصيرية بالغة الأهمية بالنسبة للمستقبل السياسي لبلدنا.

وفي الأخير نود الإشادة بالجهود التي بذلتها المؤسسة العسكرية والأمنية والسلطات الإدارية من حيث الضبط والتنظيم وضمان استتباب الأمن خلال الحملة الانتخابية والتصويت في الشوطين على امتداد التراب الوطني.

كما ننوه بمستوى النضج الذي تميز به الشعب الموريتاني في تعاطيه مع العملية الانتخابية ومع الاقتراع، إذ لم تسجل احتكاكات تذكر بين المواطنين بسبب تباين الخيارات، وهو أمر يستحق التنويه والتشجيع.

 

فريق الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا لمراقبة انتخابات سبتمبر 2018

نواكشوط بتاريخ 17 – 09 – 2018