
يتزايد الاهتمام في العالم العربي بأدب الرحلة وإعادة نشر نصوصه التراثية ودراستها، وتكثر الدراسات التي تتناول ذلك الجنس الأدبي الذي يُعد من أبرز الأشكال الأدبية التي تعكس تجارب الإنسان في استكشاف المجهول، وتوثيق العادات والتقاليد، وتبادل الثقافات.
وقد أثرى كُتّاب وباحثون المكتبة العربية بالكثير من الإصدارات التي اهتمت بذلك الجنس الأدبي، وعدّته من أهم الأجناس الأدبية التي أسهمت في توثيق العادات والتقاليد عبر العصور، حيث يقوم الرحالة بدور الراوي الذي ينقل مشاهداته وانطباعاته عن المجتمعات التي يزورها، مستخدما أساليب سردية متنوعة تعكس رؤيته وثقافته الخاصة. فالرحالة ليس مجرد ناقل محايد للمعلومات، بل هو عنصر أساسي في تشكيل الخطاب الرحلي، إذ يتداخل السرد الذاتي مع التوثيق الواقعي ليخلق نصا أدبيا يجمع بين المعرفة والتجربة الشخصية.
ويأتي كتاب "الراوي في أدب الرحلة: تمثلات العادات والتقاليد عبر السرد"، لمؤلفه الدكتور عبد الحكيم خليل سيد أحمد، ضمن تلك الإصدارات التي تدور في فلك أدب الرحلة، وتغوص في عوالم الرحالة وكتاباتهم التي يروون فيها تفاصيل رحلاتهم ومشاهداتهم خلال تنقلهم بين البلدان.
يتحدث الكتاب عن الراوي في أدب الرحلة بوصفه وسيطا بين القارئ والعالم الموصوف، حيث تتباين أنماطه بين الراوي العيان الذي يصف ما يراه بحيادية، والراوي المتفاعل الذي يشارك في الأحداث ويؤثر في تفاصيلها. وتُبرز الرحلات الكلاسيكية مثل "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" لابن بطوطة، مدى تأثير منظور الرحالة في وصفه للعادات والتقاليد، حيث تمثل ملاحظاته انعكاسا لرؤيته الثقافية والدينية.
ووفقا لمقدمة الكتاب، فإن عملية تمثيل العادات والتقاليد في الرحلات لا تخلو من الذاتية والتأويل، إذ يعمد بعض الرحالة إلى مقارنة المجتمعات التي يزورونها بثقافتهم الأصلية، ما قد يؤدي إلى تكوين صور نمطية أو أحكام قيمية. فعلى سبيل المثال، في "الرحلة إلى أوروبا" للطهطاوي، يظهر الراوي مندهشا من بعض العادات الفرنسية التي يراها متناقضة مع الأخلاق الشرقية، لكنه في الوقت ذاته يعترف ببعض جوانب التقدم لديهم.
