حي الشاغور ... حكاية ممتدة كتفاصيل نهر بردى

ثلاثاء, 28/10/2025 - 03:24

الشاغور؛ ذلك الاسم الذي يرن في ذاكرة دمشق كما ترن الأجراس القديمة في صمت الفجر، لم يكن يوما مجرد حي يلوذ بجدار الزمن وإنما حكاية ممتدة كتفاصيل نهر بردى وهو يلتف حول المدينة منذ آلاف السنين.

اسمه الذي يردده الدمشقيون بوقار، "الشاغور" أو "قلعة الشاغور"، يحمل في حروفه عبق أسرار دفينة، وطبقات من الحنين المتراكم عبر أجيال تعاقبت واحتفظت بالمكان كما لو أنه قلبها النابض.

يتحدث الرواة أن التسمية تعود إلى أصول عربية قديمة؛ فقد ارتبطت كلمة "الشاغور" بمفردات القوة والحصانة، ويقال إن الحي في أزمانه الأولى كان محاطا بأسوار وأبراج تشبه القلاع الصغيرة التي تحمي أطرافه، فصار يعرف بـ"قلعة الشاغور".

وهناك من يعيدها إلى الجذور الزراعية الأولى للمنطقة، إذ كانت جزءا من البساتين الممتدة على ضفاف بردى، حيث كانت "الشواغير" تعني الأراضي المخضرة التي تتخللها قنوات المياه الموزعة على الحقول والحدائق، في إشارة إلى ارتباطه العميق بذاكرة الماء والنماء.

يقع الشاغور في قلب دمشق القديمة، كجوهرة مدفونة في صدر التاريخ، يلتصق بسور المدينة العتيق، في حيز يختصر عبقرية المكان؛ يمتد الحي بين عقد الأسواق الكبرى وأهم مسالك التجارة في المدينة؛ قريب من سوق الحميدية الذي يعج بضجيج الزوار، ومن سوق البزورية الذي تتصاعد منه رائحة الأعشاب والبهارات والعطور، ليكون الشاغور حلقة وصل بين دمشق العتيقة وأسواقها النابضة.

هو قلب نابض بالذاكرة، تتوزع حوله الحارات الضيقة التي تشبه شرايين متداخلة، تنساب في مساراتها المتعرجة بين البيوت الدمشقية التي تتكئ على حجارة بيضاء وحوائط خشبية مزخرفة.

حين تخطو إلى داخل الشاغور، تشعر أنك دخلت نصا طويلا مكتوبا بمداد العصور؛ فالأزقة الضيقة الملتوية التي تفضي إلى ساحات صغيرة، والنوافذ الخشبية العتيقة التي تطل على الشارع كعيون حارسة، والأبواب العالية المزينة بالمسامير النحاسية، كلها تحكي تفاصيل الحياة اليومية لأجيال سكنت هنا.