
في هذه المقالة نلقي الضوء على بدايات حنا مينه، وهو واحد من روائيي العرب العظام في القرن الـ20، مثّلت رواياته موردا رئيسيا من موارد الرواية العربية، وفي الوقت نفسه ندعو إلى قراءته وقراءة تجارب جيل الروائيين والكتاب الكبار، وخاصة من الأجيال الجديدة، ممن يتوجهون إلى كتابة الرواية، فهذه التجارب الرائدة تمثل موردا مهما من موارد الكتابة والإبداع.
حنا مينه.. أشهر روائيي سوريا
حنا مينه (1924-2018) أشهر الروائيين العرب في سوريا، وواحد من أبرز الأسماء في الرواية العربية بأسرها، في سيرته أنه من مواليد اللاذقية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط عام 1924م، لعائلة فقيرة، هاجرت عائلته من اللاذقية إلى بلدة السويدية في لواء الإسكندرون، ثم إلى الإسكندرون (المدينة) وظلت فيها عدة سنوات حتى هاجرت مجددا عام 1939 إلى اللاذقية. درس مينه المرحلة الابتدائية في الإسكندرون، ثم خرج من المدرسة ليعمل صبيا لإعانة عائلته. وكذا فعل بعد الهجرة إلى اللاذقية، فعمل حلاقا، وعاملا وحمالا وصبيا أو فتى في الميناء… فكان الواقع المدبب الشقي مدرسته الكبرى التي تأسست عليها رؤيته وموقفه وكتابته الروائية فيما بعد.
وقد تكون هذه النشأة في بيئة الكفاح والعمل هي التي قربته إلى الواقعية الأدبية والفكرية، فإلى هذا الواقع كان يعيد رؤيته اليسارية وكراهيته لليمين، يقول:
"وقد كنت كما هو معروف، يساريا وسأبقى..أما لماذا الأمر كذلك، فإن هذه (اللماذا) في غير محلها! تصوروا ابن العالم السفلي، العاري، الحافي، الجائع، مثلي ومثل ناسي… ثم نكون في اليمين الذي يتغذى أطفاله بالشيكولاته ويركبون الكاديلاك! مفارقة أليس كذلك".
(أشياء من ذكريات طفولتي، ط.دار الآداب، ص121).
وتاريخها.
ومع ما سبق فإن قارئ هذه الرواية التي تمثل باكورة تجربة الكاتب الراحل الرائد، يدرك أن اطلاع الكاتب لم يكن هينا، ولكن حنا مينه يميل دائما لتصوير الكتابة كأنها إلهام رغم واقعيته الاشتراكية التي لا تعترف بمثل هذه الميول، فكل ما في الرواية من عناصر ومن إتقان ومن حرفية تشهد على اتساع الاطلاع لا على الروايات العربية والأجنبية وحدها، وإنما على قطاع واسع من تقنيات الرواية الواقعية بوجه خاص، وأن الأمر لا يعود إلى الموهبة وحدها، وإنما إلى ضرب من الثقافة الواسعة إلى جانب الاستعداد الإبداعي والإخلاص للتجربة.