فظائع غزة تكشف بالأدب الإيطالي من شرف القتال إلى صمت الإبادة

ثلاثاء, 05/08/2025 - 01:20

في تعليقه على نهج الاغتيالات السياسية للقيادات الفلسطينية، الذي اعتمده الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الأولى من عدوانه على غزة، قال المفكر الفلسطيني منير شفيق حينها إن الاغتيالات "تخلّ بالشرف العسكري"، مؤكدا أن "القتال لا بد أن يكون شريفا".

وبعد مضي عام على مقابلته مع الجزيرة، عاد المفكر الفلسطيني للحديث عن سياسة التجويع في غزة، فوصفها بما يتجاوز "السفالة"، وكأن مصطلح "إبادة" لم يعد وحده كافيا لوصف الحضيض الذي بلغه تعامل الاحتلال مع الإنسان في غزة.

وفي حلقة مظلمة من التاريخ، يبدو فيها القانون الدولي نفسه والفكر السياسي قاصرا عن إيجاد كلمات مناسبة لتوصيف العار الذي تشهده الإنسانية في غزة، تجد لغة الصحافة هي الأخرى نفسها عاجزة أمام الإبادة الجارية، لتستنجد بلغة الأدب، وليس أي أدب.

فقد اختارت صحيفة "إل فاتو كوتيديانو" الإيطالية، في صفحتها الأولى يوم 23 يوليو/تموز الماضي، نشر صورة لطفل مجوّع من غزة، مرفقة بتعليق يستحضر عنوانا شهيرا للكاتب الإيطالي اليهودي الناجي من الهولوكوست، بريمو ليفي: "إن كان هذا إنسانا"، ليصدر العدد -الذي تحول إلى "ترند" على شبكات التواصل الاجتماعي في إيطاليا- بعنوان: "إن كان هذا طفلا".

وإذ يقف الإيطاليون اليوم مذهولين من كم الإجرام الذي يُواجَه به الأبرياء والآمنون في غزة، يشاركهم أدباؤهم الصدمة حيال صور تبدو مستخرجة من الجحيم، لا من حروب يُفترض أن يكون القتال فيها "شريفا".

والواقع أن "الشرف العسكري" الذي أشار إليه المفكر الفلسطيني منير شفيق تعرفه جميع الشعوب التي تُقدّر قيم الفروسية عبر تاريخها. وهي قيم سجلها الأدب الإيطالي من خلال روايات عديدة، لعل أكثرها تعبيرا عن سجالات الشرق والغرب رواية "الذئب والقمر" (2011) للروائي الإيطالي بيترانجيلو بوتافوكو.

وفي هذه الرواية نقف على مشهد يصوّر نُبل الفرسان في القتال، حيث نجد قبطان باشا البحرية العثمانية، جيكاله زاده سنان باشا، وهو يستعد لفتح مسقط رأسه في صقلية، فيصف لنا الكاتب هدنة دامت 3 أيام بين الجيش العثماني والجيش المحلي، في انتظار قدوم التعزيزات من نابولي والتاج الإسباني. ذلك أن القائد العثماني عزّ عليه أن يستفرد بقتال مدينة معزولة تفتقر إلى السلاح الثقيل، فطلب هدنة لا تُشبه الهدن التي عرفتها غزة، والتي قُتل فيها البشر حتى بحجة إلقاء "مساعدات" شحيحة على رؤوسهم من الطائرات.