يتقاسم أصحاب النفوذ في السلطة، من وزراء وجنرالات ورجال أعمال وغيرهم مهام الاستحواذ على وسائل “الإعلام” الخاصة عن طريق العلاقات الشخصية مع المسؤولين المباشرين لهذه المؤسسات والتي تتسم بدفع فواتير تكاليف المؤسسة “الإعلامية” مقابل استغلالها كمنابر للهجوم على الخصوم.
وهكذا أصبحت مهمة “شراء الأقلام” سائدة في بلدنا منذ بعض الوقت، بسبب عدم مهنية مرتزقة الإعلام من جهة وحاجتهم للمال، ولرغبة أصحاب النفوذ في استغلال وسائل “الإعلام” وأصحابها لغرض مواجهة خصومهم في لوبيات النظام. وهو ما طفا على السطح على شكل مقالات ومعالجات و”تحقيقات” تتناول فساد شركات الخصوم، أو تسيير قطاعاتهم وكل ما يتعلق بهم.
ومنذ وقت طويل نجد أن لرئيس الجمهورية صحافته التي يثق بها ويكلفها بمهام محددة مقابل كل الامتيازات المطلوبة، مادية ومعنوية، كما توجد صحافة الوزير الأول التي يتلخص دورها في تلميع سياساته ومهاجمة خصومه والدفاع عنه، وكذلك صحافة وزير الداخلية التي تخدمه وتخدم حلفه السياسي وتوجهاته، ويدافع عنها داخل أروقة السلطة ويمنحها كل الامتيازات المادية والمعنوية بما في ذلك مرافقة الرئيس في زياراته الخارجية والداخلية وإصدار توصيات للقطاعات والمؤسسات العمومية بدعم هذه “الصحافة” التي تخدم برامج الرجل وسياساته. ولمدير ديوان الرئيس صحافته التي تحظى بامتيازات مادية ومعنوية لا تحظى بها سوى الصحافة السابقة، كما أن لرجال الأعمال صحافتهم التي يستغلونها لمهاجمة خصومهم وللدفاع عنهم وعن “وطنيتهم” وغير ذلك من وسائل التلميع.
وبين هؤلاء وأولئك تبقى صحافة الوطن والمواطن تجاهد وتكابد وتواجه التحديات لتظل وفية لكشف الحقيقة وأداء رسالتها النبيلة في تنوير الرأي العام بعيدا عن كل الإغراءات والمؤثرات ودون أدنى دعم حقيقي لجهودها.
منذ عهد الرئيس الانتقالي الراحل أعلي ولد محمد فال، وأول سنتين من المأمورية الأولى للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ثم منذ أواخر 2019 غاب احترام التعددية النقابية وأصبح الحقل الصحفي حكرا على ثلة من المرتزقة الذين زرعتهم “خلية خاصة” برعاية وزير وآخر بمرتبة وزير ومكنت لهم وأصبحت لهم الأولوية في كل شيء بل واحتكروا كل شيء، فبدلا من تناوب مؤسسات الهيئات الصحفية على مرافقة رئيس الجمهورية في زياراته الخارجية، أصبحت هذه الزيارات حكرا على أصدقاء وزير حالي ومدير ديوان سابق للرئيس، وذلك بعد أن أصدر تعليماته للوزير الأول السابق بتوجيه توصية لوزارة الوصاية باعتماد حوالي 20 عنوانا صحفيا كممثلين للصحافة الخاصة لدى الجهات الرسمية وذلك بعد توصية من الوزير النافذ لهؤلاء الزملاء “المرتزقة” بإنشاء تجمع صحفي جديد يكون المخاطب الأوحد والممثل الوحيد للصحافة الخاصة في موريتانيا، رغم أنه لا يضم سوى خمس مؤسسات صحفية حقيقية والبقية هي مجرد عناوين وأسماء فقط، ولكنها حظيت باهتمام الوزير النافذ والمسؤولين الذين يعملون في فلكه لأسباب مختلفة.
لم يعد من حق الصحافة الخاصة تغطية نشاطات الرئيس والوزراء حتى أن أغلبها لا يحصل على القصاصات الإخبارية من المكتب الإعلامي للرئاسة، كما لا يحق لغير “تجمع المرتزقة” التمثيل في لجان صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة بعد أن كانت المنظمات الصحفية المهنية تتناوب على التمثيل فيه احتراما للتعددية النقابية في بلد يفترض فيه أنه ديمقراطي تعددي؟!!
أما الضوء الوحيد في آخر النفق، حاليا، فيتمثل في تعيين الإعلامي الحسين ولد مدو على رأس وزارة الاتصال، وهو الذي يعرف جيدا تفاصيل المشهد الإعلامي وكيف يمكنه معالجة الاختلالات، لو أتيحت له الفرصة الكافية والصلاحيات الكاملة، دون تدخل من أصحاب النفوذ في الحكومة من الذين يدافعون عن “صحافتهم” وأقلامهم المأجورة. حيث يستطيع الرجل تصحيح تلك الاختلالات وإعادة المشهد الإعلامي إلى مرحلة المصالحة مع الذات ومع السلطة بعيدا عن صراع النفوذ بين ديناصورات الفساد في الحكومة، هذا إذا لم يقع في دائرة الاستقطاب مجددا.
أبو محمد