عبد العليم الكاطع - خاص ترك برس
أعيش الآن في نقطة متوترة للغاية، منطقة ساخنة وربما ستكون الأكثر سخونة في قابل الأيام.
إن الرائد لا يكذب أهله.
على جميع سكان السويد الاستعداد للحرب، هكذا صرّح القائد العام للقوات المسلحة السويدية ميكائيل بيدين قبل عدة أيام؛ ووصف بيدين الوضع الحالي بأنه "خطير للغاية"، وشدد على ضرورة الاستعداد نفسياً للحرب على المستوى الفردي، ولفت النظر إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت خلال العامين الماضيين لتعزيز قدرة السويد في مجال الأمن والدفاع، مؤكداً أن قُدرات البلاد اليوم باتت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عامين.
تصريحات بيدين تزامنت مع تصريح وزير الدفاع المدني كارل بولين عن إمكانية اندلاع حرب في البلاد، وسبقها تقرير للجنة الدفاع البرلمانية قالت فيه إن السويد يجب أن تستعد لوضع تندلع فيه الحرب.
وذكر بولين أيضًا "لقد تكررت هذه التحذيرات كثيرًا، ولكن دعوني أكد ذلك بقوة؛ هناك احتمال لنشوب حرب في السويد."
هذه التصريحات كانت مفاجئة ومقلقة للكثيرين، لكن الواقع، يكشف عن تجربة جديدة قد يواجهها السويديون.
سبب هذه التصريحات المقلقة بحسب قوات الدفاع السويدية؛ أنه بعد الحرب على أوكرانيا أصبح الوضع الأمني في أوربا خطيرٌ جداً، وأن الحكومة الروسية تقوم بإعادة تسليح نفسها بسرعة كبيرة وبشكل مُلفت للنظر.
كما لاحظت قوات الدفاع السويدية مؤخرًا ؛ ازدياد نشاطات التجسس وعمليات التحريض في السويد، والتي تتركز على الأنظمة العسكرية والتكنولوجيا المدنية، وهجمات سيبرانية تعرض لها نظام GPS في منطقة بحر البلطيق، والتي يُشتبه في أن روسيا وراءها.
بحسب ما ذكرته صحيفة الكومبس عن محللين في الإعلام السويدي قالوا إن التحذير من الحرب سببه الخشية من انفتاح شهية روسيا على أعمال عسكرية جديدة في حال انتصرت بالحرب على أوكرانيا.
وذكر المحلل السياسي ماتس كنوتسون، "هذه الحرب، بطبيعتها الوحشية والدموية، تعكس استعداد روسيا لغزو دول جارة سلميَة واستخدام كافة الوسائل المتاحة لتدمير المجتمعات". وهو ما يؤثر بشكل مباشر على السويد نظراً لموقعها الجغرافي على بحر البلطيق.
صرّحت قوات الدفاع السويدية، عن أول المناطق الجغرافية التي سوف يتم استهدافها في حال حدوث حرب، جاء في رأس القائمة جزيرة غوتلاند، مقاطعات blekinge و Skåne في الجنوب الشرقي وجنوب
جزيرة غوتلاند جزيرة سويدية تقع في بحر البلطيق على بعد 90 كم من البر السويدي. عاصمة الجزيرة مدينة فيسبي. تبلغ مساحة جزيرة غوتلاند نحو 3140 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها نحو 60 ألف نسمة.
تطل جزيرة غوتلاند على جنوب بحر البلطيق، وتتمتع بأهمية استراتيجية عالية، فالجزيرة توفر للقوات المسلحة السويدية ميزة للتأثير على حركة المرور الجوية والبحرية في منطقة واسعة من بحر البلطيق وتمنحه سيطرة كاملة على جنوب بحر البلطيق.
الاتحاد الأوروبي، يُجري تدريبات عسكرية جوية وبحرية بشكل دوري على جزيرة غوتلاند.
القوات الأمريكية لم تترك هذه النقطة الاستراتيجية، هي الأخرى تُجري تدريبات عسكرية في فترات مختلفة.
في عام 2016 أجرت القوات الأمريكية تجارب إطلاق صواريخ في شمال الجزيرة؛ وكان أخرها العام الفائت، تدريب BALTOPS 22، حيث تدرب الجيش السويدي على التعزيز السريع والدفاع عن جزيرة غوتلاند ضد معتدٍ وهمي، حيث عمل جنبًا إلى جنب مع مشاة البحرية الأمريكية.
كل هذا يجعل الجزيرة هدفاً استراتيجياً عالية لأي دول معادية، وخاصة روسيا، التي تقوم باستفزازات واضحة ومعلنة في المنطقة منذ الحرب الباردة، كان أخرها عندما اخترقت أربع طائرات حربية روسية المجال الجوي السويدي، فوق شرق غوتلاند.
اللافت في هذا الاختراق أنه جرى بعد أقل من شهر من بداية الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن الاختراق تم أثناء أجراء مناورات تدريبية للقوات الجوية السويدية مع القوات الجوية الفلندية، والأهم من هذا كله أن اثنين من الطائرات كانتا مسلحتين بأسلحة نووية !
بعد هذ التصريحات؛ حثت وكالة الطوارئ المدنية السويدية MSB على رفع مستوى الاستعداد المنزلي. حيث يجب على الجميع (الافراد والعائلات) تدبر أمرهم بمفردهم دون الحاجة إلى مساعدة حكومية أم مجتمعية لمدة سبعة أيام.
هذا يعني أن يكون لدى الجميع إمدادات من الطعام والماء و راديو يعمل على البطاريات ومصادر بديلة للحرارة والتدفئة.
يبقى انضمام السويد إلى حلف الناتو قضية مطروحة، حيث أن القوات المسلحة السويدية والأحزاب والشارع السويدي، يعتبرون أن الانضمام إلى الناتو سيكون في صالح السويد.
ضمن موجة التصريحات والقلق هذه؛ أثار رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون الحديث حول مفهوم المواطنة السويدية، والولاء للسويد.
فالمواطنة، كما يرى، ليست جواز السفر وسهولة التنقل، بل هي روابط الولاء للبلد والاستعداد للدفاع عنه، وإذا كان المرء لا يريد ذلك فعليه ألا يكون مواطناً سويدياً. في تلميح واضح يستهدف فيه المهاجرين.
كريسترسون شكك في ولاء الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية السويدية في مرحلة لاحقة من حياتهم؛ هل هم مستعدون للتضحية من أجل السويد؟ بل قال إن الجواز السويدي أصبح يعني للكثيرين اليوم مجرد وسيلة للتنقل والحصول على المساعدة القنصلية في الخارج.
في مملكة السويد التي تتمتع بمستوى عالي من الشفافية، ولدى الحكومة إلتزام واعي أمام الشارع. الجيش السويدي يتكلم بصراحة وبكلمات واضحة، ويضع الشعب أمام مسؤولياته تجاه نفسه وتجاهل المجتمع، تثير التصريحات ردود فعل واسعة داخل المجتمع السويدي. ماذا يُخفي لنا هذا العام الجديد؟ وما ينتظرنا في قابل الأيام؟ فالرائد لا يكذب أهله.