
نواكشوط(وكالة السواحل للأنباء): «حلل يا دويرى» صرخة نداء أطلقها أحد عناصر المقاومة وهو يطلق قذيفة على منزل يؤوى بعضاً من جنود الاحتلال الصهيونى، فأرداهم بين قتيل وجريح، ليرد الدويرى بعد مشاهدة الفيديو.. «سأحلل». فى معركة «كسر العظم»، وبناء على المعطيات التى يشير إليها سير المعارك، يرى الدويرى أن الكيان الصهيونى لم يحقق أى انتصار يذكر على أرض المعركة.
الحقيقة أن المحلل العسكرى اللواء «فايز الدويرى» الذى يحل على قناة الجزيرة ضيفاً دائماً، فى فقرة التحليل العسكرى يؤدى دوراً مهماً فى تحليل الصورة والشرح الدقيق والمفصل لتطورات سير المعارك الدائرة فى قطاع غزة، فهو يحلل عسكرياً تطورات الحرب بين العدو الصهيونى والمقاومة الفلسطينية، والمشاهد التى يبثها الإعلام العسكرى لكتائب القسام بحرفية ومهنية عالية.
ويفند رواية وأكاذيب الاحتلال بشأن التقدم والسيطرة فى المعركة، وكما يمثل اللواء الدويرى بالنسبة لنا أهمية بالغة من حيث فهم ما يجرى على الأرض، نحن الذين نترقب فيديوهات كتائب القسام وسرايا القدس التى ترصد التفاصيل الميدانية، وما يتحقق من إنجازات، ليطمئن قلوبنا الواجفة، ويزيح عنا غبار التشاؤم، ويعطينا دفقة أمل بأن القادم أفضل، أصبح أيضاً مثار قلق وغضب الإسرائيليين.
فبعد الصرخة التى أطلقها القسامى يطالب فيها الدويرى بتحليل مقاطع الفيديو، تحول إلى تريند على مواقع السوشيال ميديا فالعدو الصهيونى، تتفاوت ردود الفعل بين المهددين له بالقتل، والمطالبين باعتقاله ومن يكيلون له أفظع الشتائم وألفاظ السباب، خاصة فى ضوء ما يبثه جيش الاحتلال الصهيونى من فيديوهات تمثيلية هوليودية من جانب واحد لا تظهر غير جنود الاحتلال فقط؟!
لكنه يصورها كانتصارات له، وهزائم يلحقها بكتائب القسام وفصائل المقاومة.
غير أن النصر الوحيد الذى حققه الجيش الصهيونى هو المزيد من القتل وارتكاب المجازر وتوسيع دائرة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين المدنيين، فى كل يوم يمر على هذه الحرب الانتقامية الضارية، التى تحول فيها قطاع غزة إلى مدن أشباح تستحيل معها الحياة، ويظهر الإمعان السافر والممنهج لتهجير السكان وتيئيسهم من العودة إلى ديارهم مرة أخرى.
اللواء الدويرى يشكل حالة وجدانية لدى المتابعين يؤثر فى معنوياتهم ويبث فيهم روح التفاؤل، ولسان حاله يعدهم بأن النصر قريب مهما توحشت وتيرة المعارك وازدادت ضراوتها، فثبات المقاومة وقدراتها الدفاعية هما الوقود الذى يعزز الاستمرار وعدم الهزيمة، ومنع الاحتلال من إحراز أى انتصار.
فلا زالت جبهة شمال غزة التى تدعى إسرائيل السيطرة عليها مشتعلة، رغم التوغل الصهيونى والإعدامات الميدانية التى تنفذها قوات الاحتلال بحق المدنيين العزل، والاعتقال الهمجى وتصوير مشاهد قذرة تظهر تعرية المعتقلين، بعد إجبارهم على خلع ملابسهم لتركيعهم وإذلالهم كنوع من الحرب النفسية على المواطنين.
فى حين تقاتل المقاومة بجسارة غير مسبوقة فى الميدان، وتسقط الكثير من القتلى والجرحى فى صفوف جنود الاحتلال، ما يعطى الاحتلال الدافع والشهوة للانتقام أكثر من المواطنين العزل، فعن أى جيش أخلاقى تتحدث إسرائيل؟! إنه أكثر جيوش العالم انحطاطاً وسقوطاً أخلاقياً على الإطلاق. لقد سقطت السردية الصهيونية التى تبثها للعالم كونها ضحية، فى مستنقع إجرامها وسادية جيشها «المرتبك» الذى لا يجيد سوى ثقافة القتل والإبادة.
ما تقوله حكومة الحرب الصهيونية علناً عن تحقيق تقدم وانتصارات لتهدئة الداخل الإسرائيلى، ينفيه حديث الغرف المغلقة، الذى يعبر عن مأزقها فى الحرب، فقد برز فى الأيام الماضية الحديث عن جملة عروض قدمّتها إسرائيل عبر الوسطاء إلى «حماس» تتمحور حول إمكانية الذهاب إلى هدنة لمدة أسبوع أو أكثر، مقابل إطلاق 40 محتجزاً إسرائيلياً، وسط تقاطع التصريحات والمعطيات عند التأكيد على كون حكومة الحرب الصهيونية لا تفكر بوقف النار ولا بإنهاء العدوان على غزة.
بل أقصى ما يمكن أن توافق عليه هو الاتفاق على هدنة جديدة، لا سيما أن بنيامين نتن ياهو جدد رفض أى وقف لإطلاق النار «قبل أن تحقق العدو الأهداف التى وضعتها»، وفى مقدمتها القضاء على «حماس».
وفى حقيقة الأمر الهدف الرئيسى لنتنياهو هو إطالة أمد الحرب، حتى ينقذ مستقبله السياسى من الانهيار والسجن، فالمعضلة الصهيونية الأكبر تكمن بالخلافات الداخلية التى ستنجم عن أى وقف لإطلاق النار، نظراً إلى أن الائتلاف الحكومى الحالى لن يكون قادراً عندها على الصمود، ما سيضع مستقبل نتنياهو على المحك بالمحاسبة السياسية وربما القضائية.
بينما ردت عليه الفصائل الفلسطينية بشكل صارم وواضح بإعلان رفضها أى محادثات بشأن تبادل الأسرى الصهاينة «إلا بعد انتهاء العدوان»، ووقف شامل لإطلاق النار، ما يدلل على أنه لا يزال لدى المقاومة الفلسطينية القدرة والإمكانات، التى تؤهلها للاستمرار والصمود.
لكن أى وقف لإطلاق النار فى الوقت الحالى وفى الوضع الميدانى الراهن سيمثل للعدو الصهيونى هزيمة عسكرية لا يمكن تقبلها، ولذلك لا تزال حكومة الحرب ترفع شعار القضاء على «حماس» لتبرير استمرار العدوان على غزة.
واحد وثمانون يوماً على الحرب، وإسرائيل لم تستطع هزيمة حماس، وعجزت عن تقديم صورة نصر للإسرائيليين، كما أنها لا تستطيع النزول عن الشجرة، بخفض سقف أهدافها، وإن كان هناك تغير ملحوظ فى لغة الخطاب للقيادة السياسية والعسكرية وحتى المحللين العسكريين، الذين بدأوا تباعاً بتخفيف حدة تصريحاتهم فيما يتعلق بالخطوة التالية من الحرب.
وفى المحصلة يرى المراقبون أنه من الضرورى التوقف بتمعن عند بعض التسريبات الصحفية الصهيونية الأخيرة، التى تتناول وضع أهداف جديدة تسبق وقف إطلاق النار، منها ما عبرت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» بقولها: «الحديث عن حروب المستقبل يهدف إلى إخفاء كآبة الحاضر، وربما تكون خان يونس المحطة الأخيرة فيما يسميه الجيش المرحلة الصعبة من الحرب، وستكون الخطوة التالية أكثر تواضعاً».