أسرار أكبر عملية انتحار في التاريخ!

ثلاثاء, 21/11/2023 - 08:26

نواكشوط(وكالة السواحل للانباء):توصف المجزرة التي نفذت في غيانا على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية في 18 نوفمبر 1978، بأكبر عملية انتحار جماعي في التاريخ على الرغم من أن الجميع لم يتناول السم طوعا.
في تلك الحادثة المرعبة، خلف أعضاء طائفة دينية أمريكية  تدعى "معبد الشعوب" كانوا بنوا لهم "جونز تاون" في أحراش غيانا، وراءهم بأمر من زعيمهم الروحي "جيمس جونز" 913 جثة بينها 300 لأطفال وفتيان دون سن الـ 17.
تلك الطائفة التي جمعت أمريكيين من مختلف القوميات كانت تأسست في عام 1955 تحت اسم "اتباع المسيح"، وبعد عام تغير اسمها إلى "معبد الشعوب"، وكان يقودها جونز البالغ من العمر 35 عاما. هذا الرجل وعد أتباعه بـ"مساواة عالمية في السماء وعلى الأرض"، وبأنه سيبني لهم "جنة حقيقية على الأرض".
أقام جونز في البداية مركزا للطائفة في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا ثم افتتح كنيسة ثانية في لوس أنجلوس في عام 1972، وانضم إلى طائفته الآلاف بما في ذلك عدد كبير من الأمريكيين من أصول إفريقية ومن الأقليات الأخرى، سعيا وراء مساواة مفقودة في المجتمع الأمريكي حينها.  
كان الاتباع يتعرضون لعمليات غسل أدمغة متواصلة، تفكك روابطهم الأخرى وتربطها فقط مع الجماعة. كان هؤلاء يغذون بالشعارات البراقة وبأخطار محدقة فيما تجري عملية متواصلة لـ "كسر الإرادة"، لنيل طاعة مطلقة. وكانت تستخدم العديد من الأساليب للإخضاع مثل فصل أفراد الأسرة الواحدة وتشجيعهم على الوشاية وما شابه، علاوة على تعرض أعضاء من هذه الطائفة للضرب والابتزاز والإذلال بشكل منتظم.
الأمور ساءت داخل الطائفة بحلول عام 1977، وتسربت على الصحافة شكاوى من أعضاء سابقين انشقوا عنها، فانتقل في ذلك العام جونز وأعضاء طائفته إلى مجمع "جونز تاون" كان يقوم ببنائه في دولة غيانا في أمريكا الجنوبية منذ نحو أربع سنوات.
المستوطنة سميت على اسم الزعيم الروحي "جونز" وفيها تم بناء روضة أطفال ومدرسة، فيما كان الأعضاء يعملون في الزراعة وتربية الماشية، ويجتمعون في المساء، ليستمعوا إلى خطب قائدهم الروحي بشخصيته الكاريزمية والمرضية في نفس الوقت بجنون العظمة.
في جونز تاون لم يكن متاحا مغادرة "المخيم" المسور بالأسلاك الشائكة، والمجهز بمراكز حراسة ومراقبة.
استفحلت الأمور وزاد فرار "الأتباع" من طائفة "معبد الشعوب" وبتأثير ذلك، وصل إلى غيانا في 14 نوفمبر 1978 السناتور ليو رايان مع عدد من مساعديه ومجموعة من الصحفيين، لتقصي الحقائق عن تلك المستوطنة الأمريكية الخاصة خارج الحدود الأمريكية.
وصل السيناتور الأمريكي إلى مقر الطائفة في جونز تاون بغيانا في 17 نوفمبر، وفيما كان يستعد في اليوم الثاني للعودة إلى الولايات المتحدة، استقل العديد من أعضاء طائفة "معبد الشعوب" شاحنة وأرادوا مغادرة المعسكر صحبة السيناتور ومرافقيه
تعرضت الشاحنة قبل مغادرة المجمع السكني وكان بين ركابها السيناتور ليو رايان إلى إطلاق نار، ثم قام أفراد مسلحون من الطائفة بشن هجوم على المدرج حيث كانت الطائرة تستعد للعودة بهم إلى الولايات المتحدة. في هذه المرة قتل خمسة أشخاص من بينهم السيناتور وثلاثة صحفيين بالرصاص وأصيب 11 آخرون.
بالتزامن مع إطلاق الرصاص على السيناتور ومرافقيه والأعضاء المنشقين عن الطائفة، أرسل جونز أمرا إلى أعضاء  طائفة "معبد الشعوب"  بتنفيذ خطة "انتحار ثوري" في المعسكر وخارجه، كانوا تدربوا عليها في أوقات سابقة.
في مساء 18 نوفمبر 1978 دعا حونز اتباعه إلى "المضي إلى السماء" وتلقى الأفراد حقنة وكوب بسائل أحمر هو مزيج من عصير العنب وسيانيد البوتاسيوم.
وزع المشروب القاتل أولا على الأطفال وسقي به حوالي 200 طفل بما في ذلك الرضع الذين سكب السم في أفواههم بواسطة الحقن
من بين 1100 من سكان "جونز تاون" قتل 913 شخصا بمن فيهم زعيمهم جيمس جونز والذي قضى بعيار ناري.
بعد المذبحة اكتشف المحققون مخبأ أسلحة نارية في المجمع السكني، ومئات من جوازات السفر، ومبلغا بقيمة نصف مليون دولار أمريكي، كما أفيد بأن ملايين أخرى كانت مودعة في حسابات مصرفية في بنوك بالخارج.
معبد "الشعوب" انهار على ساكنيه، وبنهاية المطاف أعلن باعتباره مؤسسة قائمة عن إفلاسه نهاية عام 1978، فيما بقي سؤال وحيد محير يتردد غالبا في مثل هذه المناسبات وهي عديدة، كيف يمكن لشخص واحد أن يسيطر بشكل مطلق على جموع فتسلم له إرادتها ومقدراتها ومصائرها ومصائر أبنائها، تموت معه أسرا كاملة، ولا يكون هناك متسع للاستفاقة والعودة عن مثل هذا الجنون؟
المصدر: RT