تتعرض روسيا لخذلان في خوضها وحيدة معركة الشعوب والأنظمة الحرة مع امبراطورية الدولار وأوروبا مجتمعين.. هل تلجأ إلى الخيار الصحيح الذي يليق بها؟/ فؤاد البطاينة

أحد, 02/07/2023 - 10:53

لا أتذكر بأن حرباً تقليدية وقعت بين دولة كبرى ودولة أخرى عادية، تدوم لأكثر من أيام أو أسابيع ما لم تكن الدولة الكبرى قد واجهت حرب عصابات. أما إذا طالت الحرب بصرف النظر عن الأسباب كما في الحالة الروسية – الأكرانية، فبالتأكيد أنها حرب خاضها الطرف الأقوى ابتداء على حسابات انتابها خلل في التصور أو في عدم توافق الاستراتيجية العسكرية مع السياسية. فالمراهنة الأمريكية في هذه الحرب قامت على كلاسيكية الحرب وإطالتها واستنزافيتها، وعلى قدرتها على الحفاظ على تماسك اوروبا معها، وعلى عدم تشكل حلف شرقي داعم لروسيا. وسنأتي لذلك في السياق

كان الكثيرون يتوقعون أن تكون حسابات روسيا مبنية على شن عملية عسكريه قوية وصاعقة في كييف العاصمة، وأن تنتهي في غضون أيام أو أسابيع بتنصيب رئيس جديد ونظام جديد موالي وأمامنا تجربة تشيكوسلوفاكيا. ولكن هذا لم يحدث، وفي المحصلة دخلت روسيا في حرب جُعلت تقليدية تنتظرها أمريكا. حيث في هذه الحالة وضمن طبيعة التحالفات القائمة لن يكون الميزان العسكري في العتاد والأسلحة لصالح روسيا بل لصالح استمرار الحرب دون حسم عسكري. فأكرانيا تتلقى إمدادات الأسلحة التقليدية والنوعية من كل أو معظم دول الناتو والغرب دون توقف، مقابل ما تمتلكه أو تنتجه مصانع روسيا وحدها من دون دعم خارجي أو دعم صديق. حيث استطاعت أمريكا تحييد ومنع أي دولة من إمداد روسيا بالأسلحة تحت طائلة العقوبات.

ونجحت أمريكا في رهانتها الثلاثة المشار إليها وتبنت مع دول الناتو الحرب على روسيا وتوريطها بعنوان أكرانيا. ولم يكن هدف أمريكا أن تنتصر أكرانيا على روسيا فهذه صفاقة سياسية، ولا هدفها من استنزاف روسيا كانت غاية بحد ذاتها، بل الغاية هي كسر شوكة وهيبة روسيا دولياً وإضعافها اقتصاديا وزعزعة الثقة الدولية بها وبطموحاتها السياسية التي ترمي إلى ما يتجاوز إنهاء التفرد الأمريكي بزعامة العالم وفرض نظام متعدد الأقطاب إلى ما يمكن تسميته بإسقاط إمبراطورية الدولار بإسقاط الدولار، والذي يعني بدوره إسقاط الصهيونية. فالمسألة مصيرية لأمريكا والحرب هي حرب أمريكا والصهيونية بامتياز.

الصورة أمامنا فيها من ناحية، المجموعة الغربية متحدة فكرياً وسياسياً تحت صرعة القيم الواحدة، ومؤطرة عسكرياً بحلف الناتو للحفاظ على استدامة مكاسبهم أللّا مشروعة وحماية التفوق الأمريكي على العالم وإخضاعه ونهبه في إطار الفكرة الإمبريالية، بمعنى أنها مجموعة تستشعر بوجود عدو لها، أو بأعداء محتملين إن اتحدوا في أشكال وموازين مشابهة فسيكونوا قادرين على وقف اللعبة. بينما في الناحية الأخرى نرى أن المجموعة الشرقية المقصودة بالعدو المُستشعر بعدائه ومناهضته لتسلط الغرب ما زالت مجموعة افتراضية أو مفاهيمية، بزعامة روسيا والصين ولم تتشكل على أرض الواقع أو تؤطر. ورغم أنها تُدرك هذا التحدي الغربي فإنها تتعايش معه جماعة وتواجهه فرادى. وما زالت لا تجرأ تحت ذرائع أو هواجس على بناء تشكيلات سياسية وعسكرية موازية حمائية ورادعة.

إن أية نهاية لهذه الحرب لا تخرج فيها روسيا منتصرة، أو تنتهي بتسوية سياسية لا تنطوي على انتصار روسيا أو لا تتضمن بالحد الأدنى تحقيق أهدافها الرئيسية، فسيكون لها انعكاسات سلبية جداً على تطلعات دول العالم الثالث في الحرية والتنمية والانعتاق من الضغوطات على قراراتها الوطنية، وعلى الدول المتحدية للسياسة والأطماع الأمرو- صهيونية وعلى عملية التحول العالمي لنظام جديد أكثر عدلا وديمقراطية ومتعدد الأقطاب، وكذلك على الصين في تصديها للهجمة الأمريكية عليها وزخمها المؤجل.

وبالتالي وهو الأهم، فإن إفشال روسيا في هذه الحرب سيسهم أو يؤدي إلى إخراج أمريكا والصهيونية من أكبر مأزق تاريخي يهدد بسقوطهما، وهو المأزق المتمثل بالوعي والجهد العالمي الذي تقوده روسيا للإنقلاب على خدعة الدولار ولصوصيته ووحشية استعماره كأداة أسطورية إخضاعية لبناء او تحصين الفكرة الاستعمارية في العصر الحديث. ففي إضعاف روسيا إضعاف وتفتيت للتحالف المفاهيمي المنضم اليها وللصين، لا سيما على مجموعة بريكس المتنامية وأجندتها.

ماذا تنتظر الصين من نتيجة لوتيرة هذه الحرب التي تخوضها روسيا وحيدة وتُستنزف فيها بثقل تحالف غربي عسكري وسياسي وما دي وإعلامي، ولماذا حياديتها وموقفها الرخو من روسيا ؟، ألم تر بعد بأن المسألة الأكرانية مجرد ذريعة لحرب تبدأ بروسيا على خلفية مقاومة المبادئ السامية التي تربط الصين مع روسيا والعالم الرافض، وأن الغرب يستمر بتأجيجها على حساب تدمير أكرانيا نفسها، وحتى لو سوِّيت بالأرض، أم لا يعنيها أن تخرج روسيا من هذه الحرب قوية. وهل فعلاً تعتقد بأن أمريكا تَفصل في نظرتها واستهدافها بين روسيا والصين، أو أنها أي أمريكا لا تنظر للدولتين كعدو مشترك لها؟ ولماذا لا تنظر الصين لخطورة فشل روسيا عليها أو انتصار أمريكا عليها؟ أليس في تعزيز موقف أمريكا تعزيز لسياستها الهجومية على الصين؟ أم أنها تجزم بأن روسيا لن تصل لمرحلة إشعال حرب نووية عالمية عند نقطة معينة.

 روسيا ليست في وضع مريح ولا عادل وتتعرض لخذلان الأصدقاء. والمسألة معقدة لأن زيلينسكي صهيوني ويقدم أكرانيا وشعبها قرباناً وثمناً لتحقيق الأهداف الأمروصهيونية على مذبح إضعاف مركز وقدرات روسيا السياسية المتنامية والناجحة في مواجهة الطغيان الإمبريالي على العالم. وإن الجهد العسكري الروسي على البنية التحية الأكرانية ومصانع ومخازن السلاح ووضع اليد على مناطق لن يصنع فرقاً لدى أمريكا وزيلينسكي ولن يقصر من عمر الحرب ولا يحسمها في ظل المعادلة التسليحية والتحالفية القائمة والمختلة. ومع استمرار الحالة لا أرى حلاً ومخرجاً مشرفاً من هذه الحرب إلّا بعودة روسيا للخيار الذي تجنبته في البداية، والإتجاه نحو كييف بالثقل العسكري الكمي والنوعي اللازم لتغيير نظامها قبل أن يرتد التغيير على روسيا وعلى كل دولة حرة وعلى المبادئ الإنسانية. ولتصبح عندها الخيارات الصعبة والأخطر في ملعب أمريكا.

كاتب وباحث عربي

المصدر:مورنيوز