انحراف "الانتقال الديمقراطى " الى اين يقودنا؟

أربعاء, 26/04/2023 - 18:52

Didi Ould Saleck كتب الأستاذ الدكتور ديدي ولد السالك

انحراف «الانتقال الديمقراطي».. إلى أين يقودنا؟
-------------------------------------------------
لقد أظهرت تجربةُ العقود الثلاثة الماضية أن الاختلالات الجوهرية التي صاحبتْ تجربةَ الانتقال الديمقراطي في موريتانيا أدت إلى انحراف عميق للممارسة الديمقراطية في البلد؛ وبدل أن تقود هذه التجربةُ إلى تعزيز البناء المؤسسي للدولة الموريتانية، أفضت إلى هشاشة وتآكل ما كان موجوداً من مؤسسات على ضعفه أصلا.. وبدل أن تَقضي على البنى التقليدية المناقِضة لوجود الدولة، أعادت إحياءَها وتقويةَ حضورها في الحياة العامة، فازدهرت القبليةُ وأصبحت السلطةُ الحاكمةُ تتعامل بشكل رسمي مع الزعامات القبيلة، وحولتهم إلى وسطاء بين الدولة والمجتمع، وأغدقت عليهم العطايا والامتيازات.. وبدل القضاء على التفاوت الطبقي، زادت الهوةُ بين فئات المجتمع وتَعمَّق التفاوت الطبقي، وأصبح الخطابُ الشرائحي التحريضي هو المسيطر على المشهد السياسي، وزعماؤه يُنشر لهم السجادُ الأحمرُ وتَتِم مكافأتُهم بالمناصب السياسية.. وبدل تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق الاندماج الاجتماعي، توسَّع الشرخُ بين مكونات المجتمع، وأصبحت السلطاتُ العمومية تتعامل مع أصحاب الخطاب العرقي العنصري بوصفهم زعماء وطنيين.. وبدل اعتماد الكفاءة والنزاهة كمعيارين أساسيين في اختيار موظفي الدولة ومسؤوليها السامين، حلَّت المحسوبيةُ والزبونيةُ وسياسةُ الترضيات، في التعينات والترشيحات للمناصب العمومية، محلَّ الكفاءة والنزاهة والأمانة.. وبدل النزاهة والشفافية في الحياة العمومية، تعمَّق الفسادُ وأصبح بنيوياً تديره أعلى سلطة في الدولة، وصار رموزُ الفساد يتقدمون الصفوفَ ويتصدرون المشهدَ السياسيَّ، بل هم «الزعماء» و«القدوات» في نظر العوام من الناس، لما يمتلكونه من وسائل الدولة ومقدِّراتها العمومية، ولما يتمتعون به من حظوة لدى رأس السلطة وصانع القرار في الأنظمة المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الماضية.. وبدل أن تكون الأحزابُ السياسية هي العمود الفقري للعمل السياسي والحياة السياسية والأداةُ الفاعلة لخلق الوعي في صفوف المجتمع، أصبحت أداةً للفساد وتكريس الخطاب العرقي والشرائحي والقبلي!
موريتانيا اليومَ دولةٌ تتشظى مؤسساتُها وتتحلل أجهزتُها العموميةُ، وتتآكل مادياً ومعنوياً، وتتراجع على كافة المستويات.. جراء انعدام الرؤية وسوء تدبير الشأن العام، وهو معطىً رئيسيٌ واضحٌ وحقيقيٌ صاحبَ وصولَ العسكر إلى السلطة وظل يتعمَّق مع الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم، إلى جانب ما تواجهه البلاد من تحديات حارقة، صلبة وناعمة، وما يتهددها من مخاطر جيوستراتيجية في عالم مضطرب.
وما لم يتم إصلاح هذه الانحرافات والاختلالات الجوهرية التي صاحبتْ تجربةَ الانتقال الديمقراطي وتعمقت على مدى العقود الثلاثة الماضية، والتصدي لها بصفة جدية وعاجلة وحكيمة ومسؤولة، فستتحول موريتانيا إلى «دولة فاشلة» على غرار نظيراتها في منطقة الساحل والصحراء.. وما التجربة اللبنانية والعراقية في المنطقة العربية، واللتين أنتجتهما سياسة المحاصصة الفئوية، عنَّا ببعيدتين؟