مكتب الميادين ــ واشنطن
تميزت ولاية الرئيس ترامب بمناخات عاصفة منذ الأيام الأولى، واستشرت التسريبات من قوى متعددة للنيل من أهليته وقدرته على الاستمرار في تنفيذ مهامه الرئاسية، فضلا عن مسلسل فضائح أخلاقية ومسلكية لم تلبث أن تتلاشى أمام فضائح أكبر وأشد إيلاماً، لكنه ثابت في مكانه.
تعديلات ترامب والصراع الداخلي في أميركا
يحرص الرئيس ترامب على "تسريب" ما يريده علناً من توجهات وسياسات، ومن بينها معدل ارتياحه ورضاه "لولاء" أعضاء إدارته. وما "إقالته" لوزير العدل بالتزامن مع إعلان نتائج الانتخابات إلا أحد الدلائل على تشبثه بمركز القرار، وما يعتقد من تغييرات ضرورية في الفترة الزمنية الفاصلة بين نهاية الانتخابات واستئناف العمل بعد عطلة أعياد الميلاد والسنة الجديدة.
ترامب يكرر أسلوب أسلافه في التعيين لمراكز رسمية استناداً إلى "ارشادات ورغبات" مراكز القوى في حزبه السياسي، كما هو الأمر عند منافسه الحزب الديموقراطي، التي لا تأخذ عامل الكفاءة والفعالية على رأس سلم الأولويات مما ينعكس سلباً على اداء الإدارة بشكل عام.
الدوافع التي أدت بالرئيس ترامب اقصاء وزير العدل جيف سشينز، ليس نتيجة تراكم الانتقادات ضده بسبب تحقيقات روبرت موللر فحسب، بل لقراءته الواقعية بانتقال مركز الثقل في مجلس النواب إلى منافسيه ومناوئيه في الحزب الديموقراطي واعلانهم المتكرر بفتح جملة ملفات وتحقيقات ضد شخص الرئيس، ما حدا به اتخاذ خطوة استباقية بفرض "مؤيد مضمون الولاء" على رأس وزارة العدل، ولو مؤقتاً، يلعب دوراً محورياً في الاستجابة لاستمرار التحقيقات من عدمها أو إطالة أمدها وتفريغها من زخمها على أقل تعديل.
مؤخراً اشتدت التكهنات بشأن نفوذ زوجة الرئيس ترامب، ميلانيا، في إقالة نائبة مستشار الأمن القومي، ميرا ريكاردل. بيد أن حقيقة الأمر والتوازنات المتجددة داخل مجلس الأمن القومي، تحت رئاسة جون بولتون، تشير إلى الدور المحوري الذي يمارسه الأخير في "التخلص" من بعض الوجوه والشخصيات النافذة في الإدارة، أبرزها وزير الدفاع جيمس ماتيس.
لكن السيدة ريكارديل، الآتية من حملة الرئيس ترامب الانتخابية، وقفت سداً أمام ترشيحات ناصرها وزير الدفاع جيمس ماتيس، بزعمها أن ولاءه يميل نحو الحزب الديموقراطي وليس للرئيس ترامب. كما عارض ماتيس ترشيحها سابقاً لمنصب رفيع في وزارة الدفاع، واتهمها بتقويض آلية الاتصالات والتواصل بين وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي.
الاحتقان الشخصي بين مختلف مراكز القوى في الإدارة تشتد وطأتها بعد الانتخابات النصفية، وتصويب الرئيس ترامب بعض سهام هجومه على وزيرة الأمن الداخلي، كيرستن نيلسون، واتهامها باتخاذ موقف لا يتسم بالتشدد الكافي في مواجهة مسألة "قافلة المهاجرين" من أميركا الوسطى طلباً للجوء السياسي في الولايات المتحدة.
نيلسون كانت محور صدام احتل مساحة تغطية إعلامية في الأسابيع القريبة بين مدير مكتب موظفي البيت الأبيض، جيم كيلي، ومستشار الأمن القومي جون بولتون الذي اتهم الأول بإقامة علاقة عاطفية مع نيلسون عندما كانت نائبة له في وزارة الأمن الداخلي قبل انتقاله للبيت الأبيض. وتم تسوية الأمر، وفق التقارير الإعلامية، باصطفاف الرئيس ترامب إلى جانب بولتون، ما عزز التكهنات عن قرب مغادرة كل من كيلي ونيلسون، واستبدالهما بشخصيات أشد تشدداً تتلاءم مع توجهات جون بولتون.
السؤال المحوري في هذا الصدد يتمحور حول ما ستؤول إليه توجهات السياسة الخارجية الأميركية بعد تثبيت أقدام متطرفي اليمين السياسي. مما لا شك فيه أن رغبة ذاك التيار وداعميه في داخل منظومة المؤسسة السياسية والاستخباراتية والدفاعية باستهداف إيران قد نجح إلى حد ملموس، بيد أن سياسة تجديد العقوبات لم تفرز عن سيادة الموقف الأميركي عالمياً كما كان يرتجى.
وعليه، يبدو أن مفاصل السياسات الخارجية الأميركية ستنحو منحىً موازياً لسياسة تسعير العداء باتجاه روسيا وايران وحلفائهما في الإقليم، في المدى المنظور، واشعال حروب "موضعية" يصعب أن تتطور إلى مواجهات مباشرة، من دون الالتفات لتداعيات تلك السياسات على مكانة واشنطن العالمية في المديين القصير والمتوسط.
المصدر : الميادين نت