احمد ولد امبارك يكتب:جرائم الاعتداء على النساء في موريتانيا… خوف يُعاد تشكيله في الظل ويهدد الأمن الوطني

أربعاء, 24/12/2025 - 12:54

عجبتُ لوطن تُختبر أعصابه كل أسبوع بجريمة اغتصاب جديدة، وعجبت لمجتمع تُدار مخاوفه من الخلف، بينما يعاد تشكيل خرائط السكن والثقة والعلاقات دون أن ينتبه.

لم تعد جرائم الاعتداء على النساء حوادث عابرة.
بل أصبحت إشارة أمنية حسّاسة تدل على أن جهة ما أدركت نقطة الضعف في هذا المجتمع وبدأت تضغط عليها بوعي وعن سابق إصرار وترصد.
لأن المساس بالنساء لا يوقظ الخوف فقط، بل يحرّك أعمق ما في المجتمع من حساسية، ويهزّ روابطه من الداخل.
1. التحليل الاجتماعي – الأمني

علينا ان ننتبه لبعض المؤشرات والملاحظات:

أ. تنامي  الخوف داخل المجتمع

المقلق اليوم لا يكمن في الجريمة نفسها، بل في ردود الفعل الجماعية الخفية التي ترافقها.
أسر تغيّر أماكن سكنها، مجموعات تنكمش داخل هويات ضيقة، وتراجع ملحوظ في الثقة بين الجيران.
وهذا لا يحدث لاعتبارات اقتصادية أو خدمية، بل بسبب خوف نفسي ينساب بين الناس دون صوت.
إنها حركة صامتة تعيد تشكيل النسيج الاجتماعي.
وتحوّل مجتمعا واحدا إلى مربعات اجتماعية منفصلة.
وهذه البيئة تُعتبر في التحليل الأمني قابلة للاستغلال في أي توتر قادم.

+××××+×+×
ب. حساسية الاعتداء على النساء في الوعي الجمعي

إن الاعتداء على أي امرأة لا يمسّ فردا، بل يمسّ رمز الكرامة والهوية الجماعية.
وفي مجتمعات مختلفة عبر التاريخ، كان المساس بالنساء سببا مباشرا لحروب طويلة وصراعات دامية بسبب حساسية هذا الملف في الوعي الجمعي.
ولهذا فإن تكرار هذه الجرائم ليس تفصيلا عابرا.
إنه زر حساس إذا ضُغط عليه اهتزّ المجتمع كله.
ج. هل تكرار الجرائم عشوائي أم موجه؟

في التحليل الأمني، السؤال الأهم ليس:
ماذا حدث؟
بل:
لماذا يحدث؟ ولماذا يتكرر؟ ولمن مصلحة تكراره؟

وهناك أسئلة فرعية تفرض نفسها:

١. هل اختيار الأماكن عشوائي أم ضمن بيئات بعينها؟
٢. هل يظهر نمط زمني أو مكاني؟
٣. هل توجد بيئة تُضعف الحواجز الأخلاقية أو تحرّض بشكل مباشر أو غير مباشر؟
٤. هل يتحرك الجناة ضمن شبكات تستغل شروخ المجتمع؟
٥. وهل تُستخدم هذه الجرائم لإعادة تشكيل الخوف داخل المجتمع؟

نعم لا يختلف إثنان ان المعتدي مجرم، لكن في حالات كثيرة هو أداة لظروف أو شبكات أو ثقافة منحرفة تجعل الجريمة رسالة تتجاوز الضحية إلى الوطن.

×+×××××
د. تأثير خوف الناس على حركة المجتمع

حين تنتقل الأسر من حي إلى آخر هربا من الخوف لا بحثا عن خدمة أفضل، فهذا مؤشر أمني لا يمكن تجاهله.
هذه التحركات تنتج:
١. أحياء مغلقة.
٢. اختلاطا أقل.
٣.  تراجع الثقة بين المكونات.
٤. قابلية أعلى للاحتقان عند أول شرارة.

وهذا ما يُعرف في التحليل الأمني بـ "هندسة الخوف وصناعة العدو الداخلي".
فالخوف حين يتحرك بلا وعي يعيد تشكيل المجتمع بطريقة قد تُستخدم لاحقا لإشعال النزاعات.
هـ. ما الذي يجب أن تفعله الدولة والمجتمع؟

هذه الجرائم يجب أن تُصنّف كملف أمن وطني:

١. تحليل خرائط الجريمة وعلاقتها بحركة السكان.
٢.  فهم أنماط الجناة والبيئات المساعدة.
٣. رصد التحريض الإعلامي والرقمي.
٤. . تطوير سياسات أمنية وقائية.

أما المجتمع فعليه أن يدرك أن الخطر الحقيقي ليس في “الآخر”، بل في الخوف الذي يُزرع بيننا حتى نتباعد.
ختاما أقول، إن من يعتدي على امرأة لا يجرح جسدا، بل يجرح كرامة ونفسية وأمان مجتمع بأكمله.
فالاغتصاب ليس فعلا فرديا.
بل جرحا يتسرب إلى الوعي العام، ويعيد تشكيل العلاقات والثقة والأحياء والمدن في صمت.
لكن الأخطر من يد المعتدي، هو العقل الذي يستغل أثر الجريمة ليزرع الخوف، ويضعف المجتمع، ويحوّل الناس إلى مجموعات خائفة تراقب بعضها.

ولهذا فإن السؤال الذي لا يجوز تأجيله هو
من يزرع هذا الخوف؟
ومن يستفيد من مجتمع خائف وممزق؟ ولماذا الآن؟

أيها السادة، إن تُرك هذا الخوف بلا مواجهة، سيحوله من حادثة عابرة إلى تهديد مباشر للأمن الوطني، وقد يفتح الباب لفتنة لا يمكن السيطرة عليها إذا اشتعلت.

تحياتي
أحمد ولد أمبارك