البلدان اربعة انواع والمحافظة على القمة صعب

جمعة, 26/05/2023 - 09:28

وكالة السواحل للأنباء(نواكشوط):لا يعلم الكثيرون أن اقتصاد الارجنتين كاد أن يصل القمة ثم تراجع في تجربة صارت مثالا فريدا، حتى أن خبيرة روسية وصفت هذه الحالة الاستثنائية قائلة إن "الأرجنتين رياضي ناجح أصبح معاقا".
من بينها أرض مقدسة.. 10 مناطق فقط لم تسقط في قبضة الاستعمار الأوروبي!
أما سيمون كوزنتس، العالم والمؤرخ الاقتصادي الامريكي من أصول روسية الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد فيعبر عن خصوصية الأرجنتين بالقول: "هناك أربعة أنواع من البلدان في العالم: الأغنياء والفقراء واليابان والأرجنتين".
غالبا ما يستخدم الاقتصاديون "حالة" الأرجنتين كمثال على سياسة اقتصادية طويلة الأجل تفشل قبل الوصول إل القمة، وهي عبارة عن تجربة يستغل فيها موارده وأراضيه الخصبة ومناخه وموقعه الجغرافي الهام  ليصبح أحد قادة العالم في المجال الاقتصادي، تم يتراجع ناتجه الإجمالي المحلي ويعود إلى مستوى الدول النامية، ويسقط في هوة ينتشر فيها الفساد والتضخم والأزمات الاقتصادية المنتظمة والاعتماد الشديد على المستثمرين الأجانب والتخلف عن السداد.
الأرجنتين كانت في إحدى الفترات من أغنى البلدان، وصاحبة الاقتصاد الأسرع نموا في العالم. في هذا البلد تم بناء مترو الأنفاق قبل تشييده في طوكيو أو موسكو وبكين، وكان هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية، الوجهة المفضلة للمهاجرين لبناء حياة جديدة. كان للأرجنتين كل المقومات لتصبح رائدة على مستوى العالم، لكنها انزلقت إلى هوة لم تعد قادرة على الخروج منها.
في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم يكن لدى الأرجنتين قوة اقتصادية، إلا نه مع تحسن النقل التجاري، انخفضت تكلفة الطرق البحرية وتم تحسين أساليب التجميد. كل ذلك أدى إلى طفرة حقيقية في صادرات لحوم البقر والحبوب والصوف إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
لم تلب الأرجنتين في عام 1903، حاجات السوق المحلية فحسب، بل وصدرت أيضا 2 . 737. 492 مترا مكعبا من القمح، وهذه الكميات الضخمة كانت كافية لإطعام 16 مليون شخص، فيما كان عدد سكان الأرجنتين ذاتها في ذلك الوقت حوالي 4.5 مليون نسمة.
الأرجنتين من جانبها، فتحت حدودها أمام الواردات الضرورية من رأس المال والعمالة، وتدفقت الاستثمارات المباشرة على البلاد، وخاصة من بريطانيا التي بنت خطوط السكك الحديدية الضرورية بشكل ماس، ما فتح الطريق أمام الموارد الطبيعية للأرجنتين إلى أسواق التصدير.
عصر الأرجنتين الذهبي:
بداية القرن العشرين، وقبل فترة وجيزة من الحرب العالمية الأولى، كانت الأرجنتين تعتبر واحدة من أكثر الدول ازدهارا وغنى في العالم. الاقتصادي أنجوس ماديسون  يفيد في مؤلفه الشهير: "الاقتصاد العالمي: الإحصاءات التاريخية"،  بوجود سبع دول فقط في العالم في عام 1913 لديها أعلى دخل للفرد، وكانت الأرجنتين على نفس المستوى مع فرنسا وألمانيا في هذا المؤشر وكانت متقدمة بشكل كبير على دول مثل إيطاليا وإسبانيا، فيما كانت البرازيل المجاورة ذات الاقتصاد الصاعد الآن في ذلك الوقت، متخلفة عن الأرجنتين بخمس مرات، واليابان، أحد قادة العالم الاقتصاديين في أواخر القرن العشرين، وراءها بنحو ثلاث مرات، فيما نما الاقتصاد الارجنتيني بين عامي  1890 - 1910 بنحو ستة في المائة سنويا، وهو أعلى بثلاث مرات من المتوسط العالمي.
أساب ازدهار الاقتصاد الأرجنتيني أوائل القرن العشرين:
يعود نجاح الأرجنتين في ذلك الوقت إلى أسباب بسيطة، فقد كان لديها عمليا مساحات غير محدودة من الأراضي الخصبة، في منطقة "لا  بامبا " وحدها كانت مساحة الأراضي المناسبة للحرث حوالي 500 ألف كيلومتر مربع، كما مكن المستوى التعليمي المرتفع نسبيا بين السكان من استخدام التقنيات الرائدة في الزراعة في ذلك الوقت، وبالمحصلة تمكنت الارجنتين علاوة على الأيدي المهاجرة الماهرة من إسبانيا وإيطاليا وإيرلندا وألمانيا وفرنسا وأسكوتلندا ومن المنطقة العربية وخاصة الشام، من أن تصبح مصدرا للحبوب والنبيذ واللحوم إلى جميع أرجاء العالم تقريبا.
الأمر الهام أن الأرجنتين كرست حينها في دستورها حقوق المهاجرين ورفعتها إلى مستوى مواطنيها، وكانت الدولة تتكفل بمصاريف النقل وتضمن الحصول على عمل، وكانت بيونس آيرس في ذلك الوقت في المرتبة الثانية بعد نيويورك في نسبة إقبال المهاجرين عليها، فيما بلغ عدد المهاجرين في الفترة من عام 1875 إلى 1930 الذي وصلوا على الأرجنتين 3.5 مليون شخص.
علة تلك التجربة الاقتصادية الفريدة تكمن في هيكلية الاقتصاد الارجنتيني البسيط التي اعتمدت على تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية والخشب والمواد الخام الأخرى، حيث شّكلت صادرات الحبوب 50% من الصادرات، و17% للجلود، ولحوم البقر 10% من إجمالي السلع المصدرة إلى الخارج، في حين أن الدول الأخرى المتقدمة كانت ولا تزال تعتمد  في اقتصاداتها على تصدير التقنيات والمعدات المعقدة.
المصدر: RT