رجل محظوظ نجا من قنبلتين نوويتين امريكيتين

اثنين, 18/09/2023 - 10:34

نواكشوط(وكالة السواحل للأنباء):من بين أكثر من ربع مليون شخص نجوا من القصف النووي الأمريكي الذي تعرضت له مدينتا هيروشيما وناغازاكي، تصادف أن كان رجل في المدينتين وقت الجحيمين وبقي حيا!
هو مهندس في الصناعات البحرية يدعى تسوتومو ياماغوتشي، وكان في 6 أغسطس عام 1945 يبلغ من العمر 29 عاما.
في ذلك اليوم أنهى رحلة عمل لمدة ثلاثة أشهر لصالح شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، وكان مع آخرين يشرف على مشروع لبناء ناقلة نفط جديدة، وكان يتحرق للعودة على بيته في مدينة ناغازاكي وإلى وزوجته هيساكو وابنهما الصغير كاتسوتوشي.
في الساعة الثامنة والربع صباحا كان ياماغوتشي في طريقه إلى حوض بناء السفن في للمرة الأخيرة قبل المغادرة، حين سمع صوت هدير طائرة في سماء المنطقة.
نظر الشاب إلى السماء، ورأى قاذفة أمريكية من طراز "بي - 29" تحلق فوق المدينة وتسقط جسما صغيرا متصلا بمظلة وفجأة، أضاء وميض شديد السطوع السماء، وصفه ياماغوتشي في وقت لاحق بأنه "برق وميض ضخم".
تمكن من الاحتماء في خندق قبل وقوع ذلك الانفجار الذي يصم الآذان. طرحت موجة الصدمة المصاحبة ياماغوتشي على الأرض والصقته بها، ودارت في الهواء مثل إعصار ثم رمت به إلى حقل بطاطس قريب. كان هذا المهندس الشاب على بعد أقل من ثلاث كيلومترات من مركز الجحيم النووي.
صحيفة التايمز البريطانية نقلت عنه لاحقا قوله: "لم أكن أعرف ما حدث..  أعتقد أنني فقدت الوعي لفترة من الوقت. عندما فتحت عيني، كان الظلام في كل مكان، وبالكاد أستطيع رؤية أي شيء. كان الأمر أشبه ببداية فيلم في دار سينما، قبل أن تبدأ الصورة، حين تومض إطارات بدون أي صوت".
حجب الغبار الناجم عن الانفجار النووي شمس الصباح تقريبا، ووجد ياماغوتشي نفسه محاطا بطبقات من الرماد المتساقط، وكان يرى من مكانه سحابة فطر من النار تتصاعد في السماء فوق هيروشيما. أصيب وجهه وساعداه بحروق شديدة، وتمزقت طبلة الأذن.
جر قدميه في وقت لاحق ومضى وهو في حالة من الخدر والصدمة إلى ما تبقى من حوض بناء السفن، وهناك وجد زميليه، أكيرا إيفاناغا وكونيوشي ساتو وقد نجيا أيضا.
 قضوا ليلتهم في ملجأ من القنابل، وتوجهوا صباح يوم 7 أغسطس 1945 إلى محطة القطارات التي كانت لا تزال تعمل.
قطعوا طريقهم إلى المحطة وسط مناظر مرعبة من الأضواء التي تواصل وميضها، وبين مباني المدينة المدمرة والأجسام المتفحة والبقايا البشرية على طول الطريق، وفي أحد الدروب كان ياماغوتشي مضطرا للعوم بين طبقة من الجثث الطافية.
وصل ورفيقاه إلى محطة القطارات، وتوجه إلى مسقط رأسه مدينة ناغازاكي في عربة قطار مليئة بالركاب المصابين بحروق جسيمة وأدهان مشتتة ونظر شارد من وقع الكارثة التي يجهلون سببها.
وصل ياماغوتشي إلى مدينته ناغازاكي في وقت مبكر من صباح يوم 8 أغسطس وتوجه إلى المستشفى، وهناك عالجه طبيب كان زميلا سابقا له في المدرسة، إلا أن الصديق القديم لم يتعرف عليه في البداية بسبب الحروق السوداء التي انتشرت على كامل جسمه.
الموقف ذاته تكرر مع أسرته. حين عاد إلى المنزل وهو مغلف بالضمادات ويعاني من الحمى، اعتقدت والدته أنه شبح.
على الرغم من حروقه وآلامه، توجه صباح يوم 9 أغسطس إلى مقر عمله في ناغازاكي، وهناك اجتمع به مدير الشركة وطلب منه تقريرا مفصلا عما جرى في هيروشيما.
روى المهندس الشاب حكاية الضوء الساطع والانفجار الرهيب الذي أحال المدينة إلى ركام، إلا أن رئيسه اتهمه بالجنون، ولم يصدق أن تدمر قنبلة واحدة مدينة كاملة!

فيما كان ياماغوتشي يحاول بحرقة رواية ما جرى في المحرقة النووية الأولى، فجأة سطع وميض آخر من وراء النافذة، وسقط المهندس الشاب على أرضية الغرفة قبل أن تصل موجه صدمة الانفجار وتحطم زجاج نوافذ المكتب وتنثره في الأرجاء.
صرّح ياماغوتشي لاحقا يصف تلك اللحظة الرهيبة بقوله: "اعتقدت أن سحابة الفطر قد تبعتني من هيروشيما".
تضاريس مدينة ناغازاكي الجبلية امتصت الكثير من قوة القنبلة النووية التي أسقطت على ناغازاكي على الرغم من أنها كانت أكثر قوة من قنبلة هيروشيما.
تمزقت ضمادات ياماغوتشي وأصيب بموجة إشعاع ثانية مسببة للسرطان، لكنه كان محظوظا جدا، وخرج سالما نسبيا من انفجار نووي للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام.
غادر المهندس الشاب الناجي من القنبلة النووية الأمريكية الثانية مبنى شركة ميتسوبيشي، وهرع بين الأنقاض إلى منزله لمعرفة مصير أسرته. حين وصل وجد أن قسما من منزله تحول على ركام، واكتشف سريعا أن زوجته وابنه نجيا ولم يتعرضا إلا إلى إصابات طفيفة.
المدهش أن زوجته خرجت من منزلها مع ابنها للبحث عن مرهم لزوجها، وحين وقع الانفجار النووي كانت وابنها في نفق وفر حماية لهما. ولو لم يصب ياماغوتشي في هيروشيما، لكانت أسرته ربما من بين الضحايا في ناغازاكي!
المهندس المحظوظ في الأيام التالية عانى من مضاعفات شديدة ناجمة عن الإشعاع النووي، وتساقط شعره، وتقيحت جروحه وبدأ يتقيأ باستمرار، وبقى من دون رعاية صحية مع أسرته في ملجأ إلى أن أعلنت اليابان استسلامها في 15 أغسطس.
كان يعتقد أن أجله قد حان، وانه ميت لا محالة، لكنه على عكس العديد من ضحايا التعرض للإشاعات النووية المميتة، تعافى ياماغوتشي ببطء وبالتدريج، وواصل حياته الطبيعية لاحقا، وتسنى له في عام 2006 أن يلقي خطابا في الأمم المتحدة بشأن نزع السلاح النووي.
نجا ياماغوتشي بأعجوبة من موت نووي محقق مرتين، واعترف به رسميا من قبل الحكومة اليابانية على أنه الناجي الوحيد من "القصف مرتين"، وكان ذلك في 2009، قبل عام فقط من وفاته عن عمر ناهز 93 عاما.
هذا المهندس في حقيقة الأمر لم يكن الناجي الوحيد من محرقتي القنبلتين النوويتين الأمريكيتين، فقد جرى الأمر ذاته لزميليه أكيرا إيفاناغا وكونيوشي ساتو، إضافة إلى ثالث يدعى شيجيوشي موريموتو. هذا الثالث كان على بعد كيلو متر واحد فقط من مركز الانفجار في هيروشيما ومع ذلك نجا.
المصدر: RT